للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثياب بني عوف طهارى نقية وأوجههم بيض المسافر غران

فمعنى قولهم يشتم أعراض الناس، ويشتم الناس جميعا واحد. وقولهم: يقع في أعراض الناس ويقع فيهم واحد في المعنى. وإذا قيل هو طيب العرض، وخبيث العرض فإنما يعنون به البدن الطاهر من الخبثة البين الرشدة لا رائحة البدن، وإن أراد مريد ذلك أيضا فإنما كنى بالعرض الذي هو البدن عن رائحة البدن، واختصر فحذف. ومن هذا قول حسان بن ثابت:

فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

ومعناه أبي وجدي وأنا وقاء للنبي صلى الله عليه وسلم، من أشعار الكفار الذين هجوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأجابهم حسان وهاجاهم، ليقبلوا بالهجاء عليه وعلى أبويه؛ فيقي رسول الله بهم، والبيت الذي قبله يدل على ما قلناه ويوضحه، وهو:

هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء

فقوله عرضي معناه يريد أقي ببدني بدنه، وبحسبي حسبه، يعني أبويه. وزعم قوم من أهل اللغة المتأخرين أن العرض في هذا البيت النفس، وأن "حسان" إنما أراد: فإن أبي ووالده ونفسي، فإن كان عنى بنفسي أي أنا، فهو له مجاز ووجه وإن عنى النفس التي بها حياة البدن، فليس ذلك بشيء؛ فإن العرب لا تسمي النفس/ والروح بالعرض، ولا يوجد ذلك في شعر لهم، ولا سجع، ولا خطبة، ولا كلام، بل يسمون البدن بالنفس أيضاً، ولو كان ذلك على ما ظنوا لجاز أن يقال: فلان يشتم نفس فلان، كما يقال: يشتم عرضه، ولكان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: عرق يخرج من أعراضهم؛ معناه من نفوسهم، والعرق لا يخرج من النفس ولا من الروح، وإنما يخرج من البدن، والعرب تقول: تلقت نفسه، ولا يقولون تلف عرضه، ويقولون: بنفسي أنت، ولا يقولون بعرضي أنت.

وأما قوله: والعرض طمع الدنيا وما يعرض منها فخطأ؛ لأن العرض ليس بالطمع

<<  <   >  >>