لأن هذا إثبات شيء في الوهم، وذلك إسقاطه من الوهم، ولذلك عدي إلى اثنين؛ ليفرق بينهما؛ لأن تصريف الفعلين والمصدر منهما على مثال واحد، وطريقة واحدة.
وأما قوله: وهمت في الحساب وغيره، فمعناه ذهب عني وضل عن وهمي. وإنما بني فعله على كسر الماضي وفتح المستقبل، فقيل: وهم يوهم؛ لأنه بمعنى غلطت أغلط، وخطئت أخطأ، ونسيت أنسى، ومصدر هذا الوهم، بفتح الهاء على مثال الغلط والخطأ ومثال ضده وهو الفهم.
وأما قوله: وهمت إلى الشيء إذا ذهب قلبك إليه فهو ضد الذي قبله؛ لأن معناه: وقع الشيء في وهمي، وماضيه بالفتح ومستقبله بالكسر، وحذف الواو مثل وزنت أزن ووعدت أعد، وقد مضى شرح ذلك. ومصدره: الوهم، بسكون الهاء مثل الوزن والوعد. ولو قيل فيه: الهمة، خفيفة، مثل الزنة والعدة لكان صوابا، وإن لم يسمع ذلك.
وأما قوله: أحذيت الرجل من العطية، وهي الحذيا، وحذوت النعل بالنعل حذوا، وحذوته جلست بحذائه. وحذى/ النبيذ اللسان يحذى حذيا؛ فإن هذا الكلام من اصلين مختلفين؛ أحدهما من ذوات الواو، والآخر من ذوات الياء، فأما ذوات الواو فمعناه: تعبت أثر الشيء، وقابلته بمثل فعله، ونحو ذلك. وأصل ذلك من حذو النعل بالنعل، وهو أن يقدر نعل على أخرى، فتقطع على مثالها، وليس يحذي شيء من النعال إلى على مثال. والماضي من هذا مفتوح، ومستقبله مضموم، من أجل الواو. وتقول: يحذو، ولا يجوز فيه الكسر، لئلا تنقلب الواو إلى الياء. وفاعله: الحاذي والحذاء، على فعال. ومثل من أمثال العرب:"من يكن الحذاء أباه تجد نعلاه". والنعل محذوه. والمصدر: الحذو، بفتح الأول وسكون الثاني. وقال الأعشى:
هؤلا ثم هؤلى كلا أعطيـ ـت نعالا محذوة بمثال
وقال الآخر في المصدر، وهو عمر بن أبي ربيعة:
فلما تلاقينا عرفت الذي بها كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل