الواحد فجعل المؤمنين خصما، والكافرين خصما، ثم جمعهما فقال: اختصموا في ربهم. وقال [تعالى] أيضا في شأن داود: (وهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ) فسمى الفرقتين جميعا خصما باسم الواحد ثم قال: (إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ) بالواو، فبين أنهم جماعة، ثم ثنى بعد ذلك بقوله [تعالى]: (قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) فجعل كل فرقة خصما، وإنما كان هذا كذلك؛ لأن الخصم مصدر لقولهم: خصمهم يخصمهم خصما، بمنزلة العدل الذي هو مصدر: عدل يعدل عدلا؛ فإن أجريته مجرى المصدر على أصله، وجب ألا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، بل يوحد ويذكر في كل موضع، كما يقال: رجل عدل وامرأة عدل. وإن سمي به وجعل كالصفات الجارية على أفعالها، جاز فيه التأنيث والتثنية والجمع، كما يقال في: قمن ودنف ورضي وعدل وما أشبهه. وقد فسرناه في مواضع كثيرة. والخاء من الخصم مفتوحة؛ لأنه مصدر، والعامة تكسره. وللكسر وجه؛ وهو: ألا يجعل مصدرا، ولكن يكون بمعنى مخاصم وخصيم، كما يقال: خدن في معنى مخادن وخدين وخل في معنى مخال، وهو أقيس من تصيير المصدر صفة.
وأما قوله: ثدي المرأة، يعني ما يكون في اللبن كالضرع من الشاة، فإنه مفتوح الأول، والعامة تكسره، وهو خطأ. ويدل على أن الفتح فيه هو الصواب أنه يجمع على فعول، فيقال: ثدي، كما يقال في/ الضرع: ضروع. ولو كان مكسورا كما تقول العامة، لقيل في جمعه: أثداء. والعامة تكسر أول الضرع أيضا، وهو خطأ. وقد حكي عن بعضهم: الأثداء على أفعال؛ من أجل أن آخره حرف علة، وهو في معنى الطبي، فجمع على ما جمعت الأطباء. وفعول في الثدي أجود وأعرف. وإنما قيل: ثدي بالياء، وهو على فعول؛ لأن واو فعول قلبت ياء من أجل الياء التي بعدها، وادغمت فيها، ثم كسرت الدال؛ لوقوع الياء المشددة بعدها. ومن العرب من يقول في الجمع: ثدي، بكسر الثاء للاتباع.
وأما قوله: خاصمت فلانا، وكان ضلعك علي، أي ميلك؛ فإن العامة تقول فيه: كان ضلعك علي، بكسر الضاد، وهو خطأ، لأن الضلع بالكسر اسم العظم. وإنما الضلع هنا مصدر قولك: ضلع يضلع ضلعا، أي يميل ميلا، وهو ضالع أي جائر ظالم، فلذلك كان مفتوحا.