فأما قوله: وذلك إذا مدحوه، فليس كما قال؛ لأنه قد يذم الرجل بكثرة السير وسرعة السفر،/ ويذم بالعزوب عن أهله، ويذم بالطرب، إذا كان على غير جهته. ولكن إذا أرادوا المبالغة في فعله، والتكثير، مدحا كان ذلك أو ذما بني على هذا المثل، وشورك بين المؤنث والمذكر فيه.
وأما قولهم: كأنهم أرادوا به الداهية فإن الداهية نفسها لم توضع للمدح خاصة، ولكن يسمى بها الخير والشر جميعا، إذا جاوز الحد والمقدار في الدهى، كما قال الله تعالى:(والسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) وقال الشاعر:
لكل أخي عيش وإن طال عمره دويهية تصفر منها الأنامل
يعني الموت، وهو مكروه إلى كل نفس، مذموم عندها. وإنما الداهية بمنزلة الرواية اسم من أسماء الفاعلين، الجارية على الفعل، يقال: دهاه الشيء يدهاه فهو داه. والأنثى: داهية. ثم تلحق هاء التأنيث، على ما يراد به المبالغة، فيستوي الذكر والأنثى، مثل الراوية، فيقال للرجل: داهية، وللمرأة: داهية.
وأما قوله: وكذلك إذا ذموه، فقالوا: رجل لحانة، ورجل هلباجة، ورجل فقاقة وجخابة في حروف كثيرة، كأنهم أرادوا به بهيمة. فليس في قولهم: رجل لحانة شيء من شبه البهيمة؛ لأن البهيمة لا تلحن، وإنما يلحن من ينطق، والبهيمة لا تنطق.
وأما الهلباجة [فـ] الكسلان النوام الثقيل، ويقال: الأحمق المائق. وليس شيء من ذلك بوصف البهيمة. والفقاقة: الأحمق، وهي تخفف وتشدد. فأما الجخابة أيضا، بالتخفيف والتشديد، فهو الأحمق، وليس مما يوصف به البهيمة، وقال الشعر في الهلباجة: