وأما قوله:"الصيف ضيعت اللبن" مثل يضرب لمن فرط في طلب ما يحتاج إليه، حتى فاته ثم يطلبه: وأصله: أن امرأة شابة كانت عند رجل شيخ مكثر، فسألته طلاقها، فأشار عليها أن تصبر معه ولا تسله ذلك، فأبت فطلقها، وكان ذلك في الصيف، فتزوجت شابا مقترا، فلما حضر الشتاء، وقلت الألبان، سألت الشيخ لبنا، فقال لها:"الصيف ضيعت اللبن"، أي: في الصيف، ولكن حذف "في" ونصب "الصيف"، على الظرف بضيعت، ونصب اللبن بضيعت، على المفعول يريد أنك سألتني الطلاق في الصيف، فضيعت ما كان لك من اللبن. والعامة تقول:"في الصيف ضيعت اللبن" وهو خطأ. وأهنأ الضياح من اللبن: الخاثر، الذي يمزج بالماء حتى يرق، ومنه قول الراجز:
حتى إذا جن الظلام واختلط جاءوا بضيح هل رأيت الذئب قط
يقول: ضيحت اللبن فهو مضيح.
وأما قوله:"تقول فعل ذاك عودا وبدءا" و"رجع عوده" على بدئه، إذا رجع في الطريق الذي جاء منه، فإن العود تثنية الأمر، وهو مصدر عاد يعود عودا وعودة واحدة. والبدء مصدر بدأ يبدأ بدءا وبدوءا، وبدأة واحدة،/ فإذا بدأ الرجل بمجيء أو ذهاب أوعمل، ثم عاد له، فقد فعله عودا على بدء، أي جاء بالعود في أثر البدء، وتابع المجيء وثناه. وإذا جاء ثم رجع على المكان من حيث جاء، فقد رجع عوده على بدئه،