وكذلك قولهم: حزنني الأمر وأحزنني. وقد استقصينا شرح ذلك كله في "كتاب فعلت وأفعلت" بحججه، ورواية أقاويل العلماء فيه، وذكر علله، والقياس فيه.
فهذه علل هذا المثال، في هذا الباب، وأما تفسير الغريب والمعاني من هذا الباب، فإنا ذاكروه، إن شاء الله:
فمن ذلك قوله: تقول شملت الريح من الشمال، وجنبت، من الجنوب، ودبرت، من الدبور، وصبت، من الصبا، بغير ألف، فإن هذه الرياح الأربع، من أربع نواحي العالم؛ كل واحدة منها تهب من ناحية منها؛ فالشمال: هي التي تهب من يسار باب الكعبة، وهي الباردة، التي تقشع السحاب. ويقال لها: شمال، بألف، وشمأل، بهمزة، وشَمَل، بلا زيادة، وشامل، غير مهمور، وشأمل، مهموز، كل ذلك قد تكلموا به؛ لمعان يطول شرحها. والجنوب: التي تهب من يمين بابها، مقابلة للشمال، وهي دفيئة، تجمع السحاب، وتسوقها، وتأتي بالمطر. والصبا: التي تهب من مطلع الشمس، وفيها لين وندى، ولها نسيم وروح وتشويق إلى الأوطان والأحباب، وجلاء للهم، كما قال الشاعر:
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد فقد زاداني مسراك وجداً على وجد
وقال الآخر:/
أي جبلي نعمان بالله خليا سبيل الصبا يخلص إلى نسيمها
فغن الصبا ريح إذا ما تنسمت على نفس محزون تجلت غمومها
أجد بردها أو تشف مني حرارة على كبد لم يبق إلا صميمها