وانضم ثانيه من الأفعال الماضية، وهو باب لم يذكره مؤلف كتاب "الفصيح" ولم يفرده، وقد كان يجب ألا يخلي الكتاب منه؛ لأنه باب يكثر استعماله في الكلام. والعامة والخاصة يغلطون في كثير منه؛ وهو باب المبالغة في المدح والذم، نحو: ظَرُف وكرُم، يظرُف ويكرُم، مما ينضم عين الفعل في ماضيه ومستقبله جميعاً، وينفتح أولهما. ولا يكون اسم فاعله أبدا إلى على فعيل، ولا يتعدى إلى مفعول. وقد جاء العاقر على فاعل، وكان قياسه أن يقال: عقير. ومثله قولهم: حمض الشيء يحمض، وجاء منه حامض، وقياسه: حميض. فما كان من هذا محكياً عن فصحاء العرب، فإنما جاء منه فاعل على جهة النسب، كما جاء: رامح ونابل وناشب، لا على الفعل. وما لم يسمع فيه فاعل من العرب الفصحاء، فهو من خطأ العامة. وقد قالت العرب: مكث يمكث، بضم العين من الماضي والمستقبل، وقالوا في فاعله: مكث على القياس. فإذا فتحوا الماضي فقالوا: مكث، قالوا في فاعله: ماكث، كما يقال: عالم وعليم؛ أحدهما على الفعل المعتاد، والآخر على المبالغة. والعامة لا تعرف هذا، فهي تأتي بفعل المبالغة مع فاعل في عامة هذا الباب، وأكثر ما يتكلم العرب: حمض، بالفتح، لاستعمالهم الفاعل منه على: حامض.
وأما قوله: أُهِلَّ/ الهلال، فاستهل، فإن العامة تقول فيه: هل الهلال؛ فيجعلون الفعل للهلال، ويعنون به: طلع. وأما العرب فإنما يقولون: أهل؛ لأنهم يعنون به: أُطلع، أو رُئي. وإنما يريدون أن الناس أهلوا الهلال، أي أهلوا لما رأوه، أي رفعوا أصواتهم، كما يقال: أهللنا بالحج، أي رفعنا أصواتنا بالتلبية. وكذلك يقولون: استهل؛ لأنهم يعنون أنهم استهلوا، حين رأوه، من رفع الصوت، كما يقال: استهل المولود، إذا رفع صوته بالبكاء، ولا يعنون أنتهم استطلعوا الهلال، وإنما هو استفعال من الهلال، كقول ابن أحمر: