وكان يجب أن يقال: أهللنا بالهلال، وقد أُهِل بالهلال، فيعدى إليه الفعل بالباء؛ لأنه فعل غير متعد بنفسه، ولكن حذفوا الباء لكثرة هذا الكلام تخفيفاً، وعدي الفعل بنفسه، كما قيل: سميته زيداً، أي بزيد. والذي تقوله العامة قد يجوز في القياس؛ لأن العرب تقول في الدقة والتقويس: قد هلل البعير، من كثرة السفر والعمل، ويقولون من الإشراق والغُئُور: قد تهلل وجهه، إلا أن كلام العرب في الهلال، على معنى رفع الصوت له، ولا صنع للهلال في ذلك، ولكنه لم يسم هلالاً إلا لمعنى فيه، فلو استخرج له اشتقاق من نفسه، لم يكن إلى على/فعل، أو فعل بالتشديد، أو أفعل، بالألف، أو تفعل ونحو ذلك. ولم يستعمل العرب ذلك فيه، فلذلك جعل قول العامة خطأ. ويجوز أن يكون معنى قولهم: أهل الهلال، كمعنى قيل الهلال أو صيح الهلال، كقولك: ليحق الحق، ويبطل الباطل؛ فلذلك صار مفعولاً لم يسم فاعله. وقولهم: أهللنا الهلال بمعنى قلنا الهلال؛ لأن الهلال اسم يتكلم به ويقال، كما يقال: أحققنا الحق، وأبطلنا الباطل، كما يقال: قلنا الحق، وقيل الحق، فعلى هذا المعنى تعدى، فأما أهللناه بالحج، وأهل الصبي، ونحو ذلك فلا يتعدى.
وأما قوله: شُدِهت، وأنا مشدوه؛ أي شغلت، فليس شدهت عندنا بمعنى شغلت كما ذكر، ولكنه شبيه بقوله: دهشت، يتقارب معنياهما لتقارب لفظيهما، لا لانقلاب أحدهما من الآخر، كما جعله قوم من اللغويين من باب المقلوب، ولو كان معناه شغلت كما فسروا، لما جاز لهم أن يدعوا فيه القلب، كما ادعوا ذلك في "جذب وجبذ" لاشتباههما في المعنى واللفظ، لأن شدهت ليس بمعنى شغلت، وقد قال الشاعر: