فقصدناه في منزله فلم نره في المنزل، وقيل لنا عنه أنّه بالمدرسة فجئناها فوجدنا الباب مُوجفًا فطرقناه طرقًا خفيفًا ففتح لنا فإذا رجل تُذكِّر رؤياه بالآخرة، مُكبٌّ على المصحف الشريف يقرأ فيه ما تيسَّر، فلما بصر بنا أطبقه وتلقّانا أحسن لقاء، ثُمَّ سألنا عن حاجتنا ومَقْدمِنا فأخبرناه، فدعا لنا بما يناسب ذلك من الدّعوات التي نرجو قبولها إن شاء الله تعالى، ثُمَّ طلبت منه القراءة عليه للرِّواية عنه فأذن فأسمعته من حفظي أول حديث في "صحيح البخاري" واستجزته فيه وفي غيره ممّا تجوز له روايته فأجاز لي بشرطه، وأجاز ولدي أحمد بذلك وبجميع مرويّاته أنشأه الله تعالى نشوءًا صالحًا، وجعله من العلماء العاملين.
ثُمَّ ونحن في مجلسه ذاك وصل إليه بعض تلامذته الذين يقرأون عليه فطلبت منه أن أسمع من قراءتهم وإقرائه لهم شيئًا فأَمَرَ بعضهم فقرأوا من بعده كذلك حتى قرأوا دروسًا متعددة حضرتها ... " (١).
وقال عنه المؤرخ الأمين المحبي: "الفقيه المُحَدِّث المُعَمَّر، أحد الأئمة الزّهاد، ومن كبار أصحاب الشهاب ابن أبي الوفاء الوفائي في الحديث والفقه، ثُمَّ زاد عليه في معرفة المذاهب الأربعة، وكان يقرئ فيها، وأفتى مدة عمره، وانتهت إليه رئاسة العلم بالصالحية، وكان عالمًا ورعًا قطع أوقاته بالعبادة والعلم، والكتابة