للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} اللام هنا مؤكدة لعمل الفعل وناصرة له على العمل، لأن تأخر الفعل عن مفعوله يكسبه ضعفًا، بشهادة قولهم: زيد ضربتُ، على إرادة ضميره، أي: ضربته، فإذا جيء باللام فقيل: لزيد ضربت، صَرَفَتِ الابتداءَ عن الاسم وخصَّتهُ بالفعل الذي يعمل فيه النصب في حال التأخر البتَّةَ، نحو: ضربت زيدًا، وقد حكى أبو الحسن عن القوم: لزيدٍ ضربت، وكفى دليلًا: {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (١)، وقد ذكر فيما سلف من الكتاب.

وقيل: المعنى من أجل ربهم، فمفعول (يرهبون) على هذا محذوف، أي: يرهبون عقابه، والوجه: الأول، لسلامته من الحذف.

{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (١٥٥)}:

قوله عز وجل: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} (اختار) فعل يتعدى إلى مفعول واحد بغير حرف الجر، وإلى الثاني به، نحو: اخترت زيدًا من الرجال، ثم يحذف الجار ويوصل الفعل، فيقال: اخترت الرجال زيدًا، وكذا هنا التقدير: مِن قومه، فحذف الجار وأوصل الفعل، فالمفعول الصحيح هو زيد في المسألة، وفي الآية: {سَبْعِينَ}؛ لأن الاختيار في المسألة وقع على زيد، وفي الآية على {سَبْعِينَ} دون الرجال والقوم، فالرجال في المسألة والقوم في الآية مقدمان في اللفظ، والنية بهما التأخير، كما أنك إذا قلت: أخذت منك درهمًا، كان مرتبة الدرهم قبل مرتبة منك، وإنما يقدم (مِن) في نحو هذا؛ لأن البيان فيه، فيُعنَى به، فاعرفه فإنه من كلام المحققين من أصحابنا (٢).


(١) سورة يوسف، الآية: ٤٣.
(٢) انظر هذا الكلام مختصرًا في معاني الزجاج ٢/ ٣٧٩ - ٣٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>