للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: محذوف تقديره: فإذا أفضتم أنفسكم، ثم تُرك ذكر المفعول للعلم به، كما تُرك في دفعوا من موضع كذا، وصبوا لذلك (١). وأصل أفضتم (أَفْيَضْتُمْ)، فَحُذِفَتِ العينُ بعد نقل حركتها إلى الفاء لالتقاء الساكنين هي واللام؛ لاتصالها بالضمير، فاعرفه.

[القول في عرفات]

اعلم - وفقك الله - أن {عَرَفَاتٍ} اسم معرفة لمواطنَ جَرَتْ مَجرى مَوطنٍ واحد، لاتصال بعضها ببعض. وهي عَلَمٌ للموقف، سُمِّي بجَمْعٍ، كأذرعات، وإنما لم يدخل عليه لام التعريف كما يدخل المعارف إذا جُمعت نحو: الطلحات؛ لأنهم لم يريدوا أن يقولوا: هذه عرفة، وتلك عرفة، مثل: هذه هند وتلك هند، فيحتاجوا إلى أن يقولوا: العرفاتُ، كما قالوا: الهنداتُ، وإنما جعل عرفات علمًا لتلك المواضع التي هي في حكم موضع - واحد، فصارت كأنها مفردة، فعرفات بمنزلة طلحة في أنه اسم يتضمن التعريف والتأنيث.

فإن قلت: فإن كان الأمر على ما زعمت من أن فيها التعريفَ والتأنيثَ، فَلِمَ صُرفتْ، وعليه جُلّ العرب؟ قلت: لأن التنوين الذي فيها ليس للفرق بين ما ينصرف وما لا ينصرف فيُحذف، وإنما هو بمنزلة النون في (مسلمون). ولهذا لو سَمَّيتَ امرأة بمسلمات، لقلتَ: أقبلت مسلماتٌ، فتركت التنوين على حاله، ولم تحذفه.

ولكونها معرفة نصبوا عنها الحال، فقالوا: هذه عَرَفَاتٌ مباركًا فيها، حكاه صاحب الكتاب عنهم (٢)، ولو كانت نكرة لما انتصب عنها الحال؛ لأن النكرة لا تكون لها حال إلا في لغة قليلة، وهذا كلام جميع العرب.


(١) كذا في الكشاف ١/ ١٢٣.
(٢) ذكره صاحب الكتاب ٣/ ٢٣٣ عن العرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>