للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله عزَّ وجلَّ: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ} (ساء) بمنزلة بئس، وفاعله مضمر، وهو من جنس المنصوب الذي هو {مَثَلًا}، و {مَثَلًا} مفسر له، وفي الكلام تقدير حذف مضاف محذوف، وذلك المحذوف هو المخصوص بالذم، والتقدير: ساء المثل مثلًا مثلُ القوم، لا بد من هذا التقدير؛ لأن المخصوص بالذم لا يكون إلَّا من جنس فاعل بئس، والفاعل المثل، والقوم ليس من جنس المثل، فوجب أن يكون التقدير ما ذكرت، ثم حذف فاعل {سَاءَ} لدليل المفسر، والمضاف لعدم اللبس، وأقيم {الْقَوْمُ} مقامه، فهو كقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (١) في حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.

وارتفاع {الْقَوْمُ} على أحد وجهين: إما على الابتداء وخبره ساء، أو على إضمار مبتدأ، أي: هو القوم.

فإن قلت: ساء متصرف أم لا؟ قلت: إن بقي على أصله فهو متصرف، نحو ساء يسوء سوءًا، لبقائه على أصل وضعه، وإن ضُمّن معنى الذم فهو غير متصرف، لخروجه عن أصل وضعه بالتضمين.

وقوله: {وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ} قد جوز أن يكون معطوفًا على {كَذَّبُوا} فيدخل في حيِّز الصلة بمعنى: الذين جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم. وأن يكون كلامًا منقطعًا عن الصلة بمعنى: وما ظلموا إلَّا أنفسهم، وتقديم المفعول به للاختصاص، كأنه قيل: وخصوا أنفسهم بالظلم لم يتعدوها إلى غيرها، قاله الزمخشري (٢).

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٧٩)}:

قوله عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ} (ذرأنا): خلقنا،


(١) سورة يوسف، الآية: ٨٢.
(٢) الكشاف ٢/ ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>