للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو الفتح: دخلت يومًا على أبي علي رَحِمَهُ الله تعالى بُعَيْدَ عَوْدِهِ من شيراز سنة تسع وستين، فقال لي: ألا أحدثك، فقلت له: قل، قال: دخل إلَيَّ هذا الأندلسي فظننته قد تعلم، فإذا هو يظن أن اللام التي تصحب (إِنْ) المخففة من الثقيلة هي لام الابتداء، قلت: لا تعجب فأكثر من ترى هكذا (١). وهذا مبالغة في وصف مكرهم بالعِظَمِ خلاف القراءة الأخرى، والمعنى: وإنه كان مكرهم من العِظَمِ والشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقلع عن أماكنها، ومع ذلك لا يقدرون على إزالة ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله تعالى وعده إظهار دينه، ونصره على أعدائه.

وعن أبي إسحاق: أنَّ (إِنْ) على هذه القراءة شرطية، على: وإِنْ كان مكرهم في العِظَم يبلغ إلى إزالة الجبال، فإن الله تعالى ينصر دينه ويؤيد نبيه (٢).

و{كَانَ} هنا هي الناقصة، وقد جوز أن تكون التامة.

والمراد بالجبال على القراءة الأولى: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به، وعلى الثانية: هذه الجبال التي تراها، فلا تناقض فيهما من قد تأمل، فاعرفه فإن فيه أدنى إشكال (٣).

{فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٤٧)}:

قوله عز وجل: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} اسم الله عز وجل و {مُخْلِفَ} مفعولا الحسبان، و {وَعْدِهِ} و {رُسُلَهُ}: مفعولا {مُخْلِفَ}، فرسله مفعول أول، ووعده ثان، والتقدير: مخلف رسله وعده، كقولك: هذا معطي درهم زِيدًا: وإنما قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد


(١) المحتسب ١/ ٣٦٦.
(٢) معاني الزجاج ٣/ ١٦٧. وحكاه عنه النحاس في الإعراب ٢/ ١٨٧.
(٣) انظر النكت والعيون ٣/ ١٤٣. وزاد المسير ٤/ ٣٧٤ - ٣٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>