قوله عزَّ وجلَّ:{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} يجوز أن يكون في موضع نصب إما على أنه بدل من قوله: {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ}، و {مَنْ هُوَ} في موضع نصب بأنه مفعول {يُضِلُّ}، وجاز ذلك لأنه لا يريد مسرفًا واحدًا، وإنما يريد الجنس، كأنه قال: كل مسرف، فهو في معنى الجمع. أو بإضمار أعني. وأن يكون في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين يجادلون، أو مبتدأ، وفي خبره أوجه:
أحدهما:{كَبُرَ مَقْتًا} أي: كبر جدالهم مقتًا، أي: بغضًا، وهو منصوب على التمييز، فإن قلت: تقديرك (كَبُرَ جدالهم) يؤدي إلى حذف الفاعل، والفاعل لا يجوز حذفه، قلت: في الكلام حذف مضاف تقديره: جدال الذين يجادلون كَبُرَ، فالمنوي في (كَبُرَ) راجع إلى هذا المضاف المحذوف.
والثاني:{يَطْبَعُ اللَّهُ}، والراجع إلى المبتدأ محذوف تقديره: على كلّ قلبٍ متكبرٍ جبارٍ منهم، فحذف، وما بينهما اعتراض.
والثالث: محذوف، أي: معاندون أو معذبون، وما أشبه هذا مما يدل عليه المعنى.
وقوله:(عَلَى كُلِّ قَلْبٍ) قرئ: بالتنوين (١)، وفيه وجهان، أحدهما: أن القلب هو الموصوف بالتكبُّر والتجبر، وجاز وصفه بهما لأنه مركزهما ومنبعهما. والثاني: أن الموصوف هو صاحبه، وفي الكلام حذف مضاف تقديره: على كل ذي قلبٍ متكبرٍ، فحذف المضاف. وقرئ: بترك التنوين
(١) هذه قراءة أبي عمرو، وابن عامر في رواية ذكوان، وقتيبة عن الكسائي كما سيأتي.