للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجنة (١)، وقد جرى ذكر الآخرة فيما تقدم، والاستثناء صحيح، وإنما جاز استثناء الموت إذا جُعِلَ {فِيهَا} راجعة إلى الآخرة، لأن الموت أول أحكام الآخرة، إذ عنده يرتفع التكليف، والقبر أول منزل من منازل الآخرة، والتقدير: لا يذوقون في الآخرة الموت إلا الموتة الأولى، وهذا جيد حسن.

و{إِلَّا} هنا عند الفراء وغيره بمعنى سوى (٢)، وهذا مستقيم، لأن سوى بمعنى مكان، ولهذا جعلته النحاة ظرف مكان، وجعلوا موضعه النصب لكونه ظرفًا، فإذا قلت: جاءني القوم سوى زيد، فكأنك قلت: جاءني القوم مكان زيد لم يجئ هو. وهكذا في الآية، إذا جعلت {إِلَّا} بمعنى (سوى) كان المعنى: لا يذوقون في الجنة الموت مكان ما ذاقوه في الدنيا من الموت بعد الحياة، أي: لا يكون في الجنة موت بعد الحياة مكان الموت الذي يكون في الدنيا بعد الحياة.

وقيل: {إِلَّا} بمعنى (بَعد) (٣).

و{فِيهَا}: يحتمل أن يكون متعلقًا بقوله: {لَا يَذُوقُونَ}، وأن يكون حالًا، أي: لا يذوقون الموت وهم فيها.

{فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩)}

قوله عز وجل: {فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ} انتصاب قوله: {فَضْلًا} يحتمل أوجهًا: أن يكون مفعولًا له، أي: فَعَل ذلك جل ذكره بهم تفضلًا عليهم. وأن يكون مصدرًا مؤكدًا لفعله وما قبله يدل عليه، كأنه قيل: تفضل الله بذلك


(١) انظر هذا القول في روح المعاني ٢٥/ ١٣٦ أيضًا.
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٤٤. وهو قول الزجاج ٤/ ٤٢٨. وضعفه الطبري ٢٥/ ١٣٧.
(٣) قاله الطبري ٢٥/ ١٣٧. وحكاه في زاد المسير ٢/ ٣٥٧ عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>