للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: الصيام معرفة و (مثل) نكرة، ولا يجوز وصف المعرفة بالنكرة. قلت: قيل: لما كان عامَّ اللفظ لَمْ يأت بيانه إلَّا فيما بعده، كان كالنكرة (١).

والصيام: مصدر قولك: صام الرجل يصوم صَوْمًا وصِيامًا بمعنىً، وأصلهما في اللغة: الإمساك عن الأكل والشرب وغيرهما، يقال: صامت الريح: إذا سكنت وأمسكت عن الهبوب. وصامت الخيل: إذا وقفت وأمسكت عن السير. وعن أبي عبيدة: كلّ ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم (٢).

{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)}:

قوله عزَّ وجلَّ: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} (أيامًا): ظرف لـ {كُتِبَ}، أي: كُتب عليكم الصيام في أيام معدودات. ولك أن تتسع فيه، فتنصبه على المفعول به. وإذا جعلت الكاف من {كَمَا} نعتًا لمصدر الصيام، جاز لك أن تجعل الأيام ظرفًا للصيام، أو مفعولًا به له على السعة؛ لأنَّ الجميع داخلٌ في صلة الصيام، ولا يستقيم أن تنصب {أَيَّامًا} بالصيام إذا جعلت الكاف من {كَمَا} وَصْفًا لمصدر {كُتِبَ} و؛ لأنك تفرق بين الصلة والموصول بأجنبي منهما، وذلك أن {أَيَّامًا} تصير من صلة الصيام، وقد فرقتَ بينهما بالأجنبي، وهو مصدر كتب، وذلك لا يجوز.


(١) كذا في البيان ١/ ١٤٢ - ١٤٣. ووضحه ابن عطية ١/ ٧٢ أكثر فقال: ليس تعريف (الصيام) بمحض، لمكان الإجمال الذي فيه مما فسرته الشريعة، فلذلك جاز نعته بـ (كما) التي لا ينعت بها إلَّا النكرات، فهو بمنزلة: كتب عليكم صيامًا. ثم قال: وقد ضعف هذا القول. وقال أبو حيان ٢/ ٢٩: لأنه هدم للقاعدة النحوية من وجوب توافق النعت والمنعوت في التعريف والتنكير.
(٢) مجاز القرآن ٢/ ٦. وحكاه عنه الجوهري (صوم).

<<  <  ج: ص:  >  >>