للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} النِّكَاح هنا العَقْد، و {مَا} بمعنى مَن. وقيل: {مَا} مصدرية، أي: ولا تنكحوا النِّكَاح الذي نكح آباؤكم (١). {مِنَ النِّسَاءِ} في موضع نصب على الحال من المفعول المحذوف لـ {نَكَحَ} وهو العائد.

{مَا قَدْ سَلَفَ}: (ما) في موضع نصب على الاستثناء المنقطع، لأنَّ النهي للمستقبل وما سلف ماض، فلا يكون من جنسه، أي: إلَّا السالِفَ فإنه يُجاوَزُ عنه.

وقال الزمخشري: يعني إنْ أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه، فلا يحل لكم غيره، وذلك غير ممكن، والغرض المبالغة في تحريمه وسد الطريق إلى إباحته، كما يُعَلَّقُ بالمحال في التأبيد في نحو قولهم: حتى يَبْيَضَّ القَارُ، و {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} (٢). انتهى كلامه (٣).

وقوله: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا} أي: إن ذلك النِّكَاحَ، والمَقْتُ: أَشَدُّ البُغض، يقال: مقته مقتًا، إذا أبغضه، فهو مَقِيتٌ وممقوتٌ، ونكاح المَقْتِ كان في الجاهلية أن يتزوج الرجل امرأة أبيه، وكان المولود عليه يقال له: المَقْتِيُّ، فأُعلموا أن هذا إِلذي حُرِّم عليهم لَمْ يزل منكرًا في قلوبهم ممقوتًا عندهم، والوقف على {وَمَقْتًا} (٤).

وقوله: {وَسَاءَ سَبِيلًا} جملة مستأنفة، أي: وساء هذا السبيل مِن نكاح مَن نكحهن الآباء سبيلًا، أي: قَبُحَ هذا الفعل طريقًا كنتم تسلكونه في


(١) هذا اختيار الطبري ٤/ ٣١٩، وذكره ابن عطية ٤/ ٦٨ بعد الأول.
(٢) سورة الأعراف، الآية: ٤٠.
(٣) الكشاف ١/ ٢٥٩. والقار مثل القير: لغتان، وهو شيء أسود تطلى به السفن لمنع الماء. وقيل هو الزفت.
(٤) انظر في المقت والمقتي أيضًا: مجاز أبي عبيدة ١/ ١٢١، ومعاني الزجاج ٢/ ٣٢ والعبارة له.

<<  <  ج: ص:  >  >>