للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَمْ يَحْكِ نَائِلَكَ السَّحَابُ، وَإِنَّمَا ... حُمَّتْ بِهِ، فَصَبِيْبُهَا الرُّحَضَاءُ (١)

أَيِ: الْمَصْبُوْبُ مِنَ السَّحَابِ هُوَ عَرَقُ الْحُمَّى. فَنُزُوْلُ الْمَطَرِ مِنَ السَّحَابِ صِفَةٌ ثَابِتَةٌ، لَا يَظْهَرُ لَهَا فِي الْعَادَةِ عِلَّةٌ، وَقَدْ عَلَّلَهُ الشَّاعِرُ: بِأَنَّهُ عَرَقُ حُمَّاهَا الْحَادِثَةِ بِسَبَبِ عَطَاءِ الْمَمْدُوْحِ.

٢ - أَوْ يَظْهَرَ لِتِلْكَ الصِّفَةِ عِلَّةٌ غَيْرُ الْعِلَّةِ الْمَذْكُوْرَةِ؛ لِيَكُوْنَ الْمَذْكُوْرُ غَيْرَ حَقِيْقَةٍ، فَيَكُوْنَ مِنْ حُسْنِ التَّعْلِيْلِ (٢)؛ كَقَوْلِهِ: [الرّمل]

مَا بِهِ قَتْلُ أَعَادِيْهِ، وَلَكِنْ ... يَتَّقِيْ إِخْلَافَ مَا تَرْجُو الذِّئَابُ (٣)

فَإِنَّ قَتْلَ الْأَعْدَاءِ - فِي الْعَادَةِ - لِدَفْعِ مَضَرَّتِهِمْ، وَصُفُوِّ الْمَمْلَكَةِ عَنْ مُنَازَعَتِهِمْ، لَا لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ طَبِيْعَةَ الْكَرَمِ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ، وَمَحَبَّتَهُ صِدْقَ رَجَاءِ الرَّاجِيْنَ بَعَثَتْهُ عَلَى قَتْلِ أَعَادِيْهِ، لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى الْحَرْبِ صَارَتِ/ الذِّئَابُ تَرْجُو اتِّسَاعَ الرِّزْقِ عَلَيْهَا بِلُحُوْمِ مَنْ يَقْتُلُ مِنَ الْأَعَادِيْ، وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ وَصْفٌ بِكَمَالِ الْجُوْدِ، وَصْفٌ بِكَمَالِ الشَّجَاعَةِ، حَتَّى ظَهَرَ لِلْحَيَوَانَاتِ الْعُجْمِ.

وَالثَّانِيَةُ: أَيِ الصِّفَةُ غَيْرُ الثَّابِتَةِ الَّتِي أُرِيْدَ إِثْبَاتُهَا:

١ - إِمَّا مُمْكِنَةٌ؛ كَقَوْلِهِ: [البسيط]


(١) للمتنبّي في ديوانه ١/ ٣٠، والوساطة ص ١٨٠، وأسرار البلاغة ص ٢٧٨، والإيضاح ٦/ ٦٨، وإيجاز الطّراز ص ٤٦٠، ونفَحات الأزهار ص ١٦٦. الرُّحَضَاء: هو عرَق يغسل الجلد لكثرته، وكثيراً ما يستعمل في عرَق الحُمّى والمرض (اللّسان: رحض).
(٢) إذْ لو كانت علّتُها هي المذكورةَ، لكانت المذكورة عُلّةً حقيقية، فلا يكون من حسن التّعليل. انظر: المطوّل ص ٦٦٩.
(٣) للمتنبّي في ديوانه ١/ ١٣٤، وأسرار البلاغة ص ٢٩٦، والإيضاح ٦/ ٦٩، ومعاهد التّنصيص ٣/ ٥٣، وبلا نسبة في إيجاز الطّراز ص ٤٦٠.

<<  <   >  >>