وما زالت هذه النوبة تتنازل وتقاتل، وتناضل وتطاول، وترمى وترمى، وتدمى وتدمى، وتصمى. وترد وترد، وتصد وتصد، وتصدم وتصدم، وتقدم وتحجم، وتصدع وتصدع، وتحمل وترجع، وتذكو وتنطفي، وتبدو وتختفي، حتى كلت وملت، وانحلت وتخلت، وكانت غلبت لولا أنها لغبت، وسمت لولا أنها سئمت. وألفيت هذه النوبة خاصة، بأهل الحصن حاصة. فإنهم تولوا بأجمعهم القتال ولم يقصدوا للتناوب الاستبدال.
ولما ظهرت في التوبة النبوة؛ وكاد جوادها تناله الكبوة؛ تقدم السلطان بنفسه في النوبة الثانية، والسطوة الدانية، والعزمة الناوية غير الوانية. وخف في الثقال من الرجال، وزحف إلى الجبل بالجبال، وتضافروا فتطافروا في الاوعار كالأوعال. وجروا كالسيول في تلك المسائل، وجروا ذيول السوابغ على تلك الهواجل. وترقوا في ذراها، وقروا على قراها. وتلبسوا بجوانبها، وتوجسوا من مثاعبها، وتدرجوا في مدارجها، وعرجوا في معارجها، وخرجوا في مداخلها ودخلوا في مخاربها. وصارت الجروخ تجوزهم، والجروخ لا تحوزهم. والسهام تعبرهم، والآكام تسترهم. والنخوة تحميهم، والحمية تنخيهم.
وقد نشط السلطان لتسليطهم وتنشيطهم، والتحذير من توريطهم وتفريطهم. فمن انقبض بسطه، ومن أعرض ضبطه، ومن أقبل أربطه، ومن أدبر أسخطه. ومن تقدم قرظه، ومن تقاعس أحفظه، ومن تناعس أيقظه. وكلما شاهدوا السلطان يشاهدهم تسلطوا، وكلما اغتبطوا بما فرعوه من تلك الفوارع ارتبطوا.