للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= في أحاديث ونصوص كثيرة تساعد على هذا التفريق، وذكر المصنف جملة لا بأس بها، وإليك كلام بعض المحررين من العلماء يؤكد أن خيرية المال من أجل الثمرة المترتبة عليه:
* قال العز بن عبد السلام في أواخر «قواعد الأحكام» (٢/٣٦٢-٣٦٥) :
«فإن قيل: أيما أفضل، حال الأغنياء أم حالُ الفقراء؟ فالجواب: أن الناس أقسام:
أحدها: من يستقيمُ على الغنى، وتفسدُ أحواله بالفقر، فلا خلاف أن غنى هذا خيرٌ له من فقره.
القسم الثاني: من يستقيم على الفقر، ويفسده الغِنى، ويحمله على الطغيان، فلا خلافَ أن فقر هذا خيرٌ له من غِناه.
القسم الثالث: من إذا افتقر قام بجميع وظائف الفقر، كالرضا والصبر، وإن استغنى قام بجميع وظائف الغنى من البذل والإحسان وشُكرِ الملِك الديّان، فقد اختلف الناس في أي حالي هذا أفضل؟
فذهب قومٌ إلى أن الفقر لهذا أفضل.
وقال آخرون: غِناه أفضل، وهو المختار، لاستعاذته - صلى الله عليه وسلم - من الفقر. ولا يجوز حمله على فقرِ النفس؛ لأنه خلاف للظاهر بغير دليل.
وقد يستدل لهؤلاء بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان أغلب أحواله الفقر إلى أن أغناه الله -عز وجل- بحصون خيبر، وفدك، والعوالي، وأموال بني النَّضير.
والجواب عن هذا: أن الأنبياء والأولياء لا يأتي عليهم يومٌ إلا كان أفضلَ من الذي قبله، فإنّ من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان أمسهُ خيراً من يومه فهو ملعون -أي مطرود- مغبونٌ، وقد خُتِمَ آخر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغنى، ولم يُخرجه غناه عما كان يتعاطاه في أيام فقره من البذل والإيثار والتقلل، حتى أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي على آصُعٍ من شعير.
وكيف لا يكون كذلك، وهو - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يا ابن آدم، إنك إن تبذل الفضل خيرٌ لك، وإن تمسكه شرٌّ لك» . أراد بالفضل: ما فضل عن الحاجة الماسّة، كما فعل - صلى الله عليه وسلم -.
فمن سلك من الأغنياء هذا الطريق، فبذل الفضل كله مقتصراً على عيشٍ مثل عيشِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا امتراءَ أن غنى هذا خيرٌ من فقره.
ويدل على ذلك ما جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: «أتى فقراء المسلمين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله، ذهبَ ذوو الأموال بالدرجات العُلى والنعيم المقيم، يُعتقون ولا نجدُ ما نُعتق، ويتصدّقون ولا نجد ما نتصدّق، وينفقون ولا نجد ما نُنْفِق؟ فقال: ألا أدلكم علىأمرٍ إذا فعلتموه أدركتم به مَن كان قبلكم، وفُتّم به من بعدكم؟ قالوا: بلى، قال: تُسبِّحون الله -تعالى- وتحمدونه وتكبرونه على إثرِ كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين مرة. فلما صنعوا ذلك سمعَ الأغنياء بذلك، فقالوا مثل ما قالوا، فذهب الفقراء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه أنهم قد قالوا مثل ما قُلنا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» » . =

<<  <   >  >>