للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنسٍ في الصحة، ولو لم يمكن الجمع بينهما بحيث زال التضاد -إن شاء الله- بين الخبرين وأُعمِلا معاً، كان القول بأن أحدَهما كافٍ أصح.

ولذلك تعقّب الداوديَّ شيخُنا -رحمَه الله- وقال: «إنه لا مُنافاةَ بينهما -يعني بين الحضِّ على النكاح والتماسِ الولد، وبين الدعاء بعدم حصُول الولد والمال معاً- لاحتمال أن يكون وردَ في حصول الأمرين معاً» .

قال: «لكن يعكِّر عليه كراهيتُه لغير أنس ما دعا به له ... » (١) ، ثم أجاب عنه بما أسلفتُه معزوّاً إليه.

فإن استُشكِل -أيضاً- دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - على من لم يؤمن به بكثرةِ المال والولد وطول العمر بمن يشاهَدُ من الكفار والمُقلّين منهما معاً، بحيث يكون أشقى الأشقياءِ، فهو من اجتمع عليه فقرُ الدنيا وعذاب الآخرة، وهو الذي خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.

وكذا بمن يهلك قبل الطعن في السنِّ -أيضاً-، والحالُ أن دعاءَه - صلى الله عليه وسلم - مجابٌ، أمكن أن يقال: لعلّه - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد حقيقة الدعاء عليهم، إنما أراد منه تنفير من يحبهما معاً من محبيه على الوجه المذموم كما تقدم.

ونحوه القول في غالبِ من دعا عليهم - صلى الله عليه وسلم - من الكفار ممن تخلّف دعاؤه فيهم بأنه لم يُرد بذلك إهلاكهم، وإنما أراد ردعهم ليتوبوا.

وقد قيل في «عقرى حلقى» : أن ظاهره الدعاء لكنه غير مراد، وكذا قيل في «ويل أمه» و «لا أبا له» ، و «ترِبت يداه» ، و «قاتله الله» ونحو ذلك.

ويحتمل أن يقال: لعله أراد قوماً مخصوصين في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، أو يقال بالفرق بين من صدر منه الدعاء عليه بطريق التعيين وبين من اندرج في العموم، لا سيما بعد نزول قولِه -تعالى-: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ


(١) انظر: «فتح الباري» (١١/١٣٨) .

<<  <   >  >>