للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: «وانظر (١) سيرة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وخُلقه في المال تجده قد أوتي خزائنَ الأرض ومفاتيح البلاد وأُحلّت له الغنائم، ولم تحل لنبيٍّ قبله، وفتح عليه في حياته - صلى الله عليه وسلم - بلاد الحجاز واليمن وجميع جزيرة العرب، وما دانى ذلك من الشام والعراق (٢) ، وجُلِب (٣) إليه من أخماسها، وجِزيتِها، وصدقاتها، ما لا يُجبى للملوك إلا بعضه، وهادته (٤) جماعةٌ من ملوك الأقاليم، فما استأثر بشيءٍ منه، ولا أمسك منه درهماً، بل صرفه مَصَارفَه، وأغنى به غيرَه، وقوّى به المسلمين، وقال: «ما يسرّني أنّ لي أُحُداً ذهباً يبيت عندي منه دينارٌ، إلا ديناراً أرصِده لدَيْنٍ» (٥) ، انتهى، والله الموفق.

وأيضاً فالناس مُختلفون، فمنهم من تُصلِحه الدنيا ويصلُح عليها، ولا يزدادُ بها إلا فضلاً وتواضعاً، كما نشاهده في أفرادٍ.

وقد كان قيس بن سعد الأنصاري -رضي الله عنهما- يقول: اللهم ارزقني مالاً وفِعالاً، فإنه لا يَصلح المالُ إلا بالفِعال، ولا الفِعالُ إلا بالمال، اللهم إنه لا


(١) كذا في الأصل، وفي جميع النسخ والشروح: «فانظر» .
(٢) اليمن فتحها علي -رضي الله تعالى عنه- في سنة عشر من الهجرة، والشام فتح منها دومة الجندل فتحها عبد الرحمن، والعراق فتح منها البحرين، وقدم أهلها على النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما فصل في السير والتواريخ، ومن لم يقف على هذا قال: إنها إنما فتحت في زمن أبي بكر -رضي الله تعالى عنه-، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوتي مفاتيحها ووعد بفتحها، وذكرت في غير ما حديث، بينتُ ذلك بتطويل في دراسة مفردة لي عن (العراق وأحاديث الفتن) ، وستنشر -إن شاء الله تعالى- قريباً.
(٣) كذا في الأصل، وفي سائر النسخ والشروح: «وجلبت» .
(٤) أي: أهدت إليه - صلى الله عليه وسلم -، وليس المراد المفاعلة، وفي نسخة «وهادته» فيما أفاد القاري.
(٥) أخرجه بنحوه الطيالسي (٢٣٧٢) ، وهناد في «الزهد» (رقم ٦٢٨) ، وأحمد في «مسنده» (٢/ ٢٥٦ و٣٤٩) ، والبخاري (٢٣٨٩، ٦٤٤٥، ٧٢٢٨) ، وفي «التاريخ الكبير» (١/٢٥٥) ، ومسلم (٩٩١) ، وابن ماجه (٤١٣٢) ، وابن حبان (٦٣٥٠) ، وابن جرير في «تهذيب الآثار» (رقم ٤٠٨، ٤١٢، ٤١٣، ٤١٤، ٤٣٤) ، والبيهقي في «الشعب» (١٠٤٣٢) ، وفي «الدلائل» (١/٣٣٨) من حديث أبي هريرة.
وادخار المال لقضاء الدَّين إحسان إلى الغريم بإعداد حقه، قاله العز في «شجرة المعارف والأحوال» (ص ٢٤٧) .

<<  <   >  >>