للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذاً التمدح بالمال وفضيلته عند مفضِّليه ليست لنفسه، وإنما هو للتوصل به إلى غيره، وتصريفه (١) في متصرفاته، فجامعه إذا لم يضعه مواضعَه، ولا وجّهه وجوهه غير مليء (٢) بالحقيقة، ولا غني بالغنى (٣) ، ولا مُتَمدَّحٍ (٤) عند أحدٍ من العقلاء، بل هو فقير أبداً (٥) ، غير واصل إلى غرضٍ من أغراضه، إذ ما بيده من المال الموصِّل إليها (٦) لم يسلَّط عليه، فأشبه خازنَ مالِ غيرِه ولا مال له، فكأنه ليس في يده منه شيء (٧) ،

والمنفق مليءٌ غنيٌّ بتحصيله فوائدَ المال، وإن لم يبقَ في يده من المال شيء» (٨) .


(١) تحرفت في ط الفارابي إلى: «وتعريفه» !
(٢) أي: غير غني، أو: غير ثقة.
(٣) كذا أثبتها الناسخ، وصوابه: «بالمعنى» ، وكذا في جميع النسخ والشروح، والمراد: أنه غني بمجرد الصورة والمبنى لا المعنى، فكأنه فاقد لا واجد.
(٤) كذا في الأصل وشرح الخفاجي «نسيم الرياض» (١/٤٧١) وقال: «بفتح الدال» وفي سائرها: «ممتدح» ، قال القاري (١/٢١٧) : «وفي نسخة: ولا متمدح، أي: ولا ممدوح» .
(٥) على حد قول المتنبي:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقر فالذي فَعَلَ الفقرُ
(٦) بتشديد الصاد أو تخفيفها، مع الكسر، وعندهما: «لها» ، وأفاد القاري: أنه في نسخة، كما هو مثبت.
(٧) كما قيل:
إذا كنت جماعاً لمالك ممسكاً ... فأنت عليه خازن وأمينُ
تؤدّيه مذموماً إلى غير حامد ... فيأكله عفواً وأنت دفينُ

ولمحمود الوراق:
تمتع بمالك قبل الممات ... وإلا فلا مال إن أنتَ متا
شقيتَ به ثم خلفته ... لغيرك بُعداً وسُحقاً ومقتا
فجادوا عليك بزور البكاء ... وجدتَ عليهم بما قد جمعتا
وأرهنتهم كل ما في يديكا ... وخلُّوك رهناً بما قد كسبتا
(٨) هذا كله توطئة لبيان أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة للمال عدماً ووجوداً.

<<  <   >  >>