للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كثره كالعدم (١) ، وكان منقصةً في صاحبه، ولم يقف به على جَدَد السَّلامة (٢) ،

بل أوقعه في هُوَّة (٣) رذيلة البُخل، ومذمة النَّذالة.


(١) كذا في طبعة ابن رجب والشروح، قال القاري: «كثره: بضم الكاف وتكسر، أي: رجع كثيره، وفي نسخة: كثرته -بفتح الكاف وتكسر- وأما قول التلمساني: ويصح بفتح الكاف والراء، وضم الثاء، فلا يصح. (كالعدم) بمنزلة يسيره، أو مشبَّهاً بعدمه، حيث لم ينتفع به، فيكون كمن لا مال له» . وقال: «يعني: إن المال الذي لم ينفقه ولم يتصدق به قد تساوى فيه مع غيره ممن لا مال بيده، إذ لا فائدة في عين المال، بل فيه الوبال في المآل» .
قلت: لأنّ صاحبه بمثابة الخازن لغيره، الحارس لنعمته، يستعجل الفقر الذي هرب منه، ويفوته الغنى الذي طلبه، فيعيش عيش الفقراء، ويحاسب عليه حساب الأغنياء.
يفني البخيل بجمع المال مدته ... وللحوادث والوارث ما يدعُ
كدودة القزِّ ما تبنيه يهلكها ... وغيرها بالذي تبنيه ينتفعُ

أفاده الخفاجي في «نسيم الرياض» (١/٤٧٠) .
(٢) أي: لم يحصل له ما يسلم به من النقص والوبال والذم، و (الجَدَد) -بفتح الجيم ودالين مهملتين، أولاهما مفتوحة-: وهي الأرض الصلبة.

وفي المثل: (من ملك الجدد أمن العشار) ، فالمراد به الطريق المسلوكة، وهكذا هو مضبوط في النسخ، وارتضاه البرهان -رحمه الله تعالى-، فمن قال أنه وهم؛ فقد وهم، وأما ضبط بعضهم له بضم الجيم والدال على أنه جمع جديد؛ فلا وجه له، وفي بعض الحواشي: أنه بضم الجيم وفتح الدال على أنه جمع جدّة كمدة ومدد؛ أي: طرق، ومنه قوله -تعالى-: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ} [فاطر: ٢٧] ؛ أي: طريق، وهو صحيح -أيضاً-، ومنه: ركب فلان جده في الأمر؛ أي: رأى فيه رأياً ظاهراً، ولم يقف على أمر يوصله للسلامة، وهو عدم الجمع، أو صرف ما جمعه في مصارفه، فعدل عن طريق السلامة، فهلك.
(٣) (في هوة) بضم الهاء، وتشديد الواو، وهي: الأهوية بالحفرة العميقة، وهو مضاف لقوله: (رذيلة البخل) ؛ أي: أوقعه في وهدة دنائته وخسته التي حفرها لنفسه، وفيه استعارة مكنية وتخييلية، فشبه السماحة بطريق يسلم سالكها، ويأمن من كل عثرة، وشبه ضده بحفرة يقع فيها من أتاها. من «نسيم الرياض» (١/٤٧١) .
قلت: والمثل (من ملك الجدد ... ) : من كلام أكثم بن صيفي في خطبة بديعة له لبني تميم، أوردها ابن حمدون في «تذكرته» (٣/٣٤٣) ، وهي في «البصائر والذخائر» (١/١٥٤) ، «نثر الدر» (٦/٣٩١) .

<<  <   >  >>