للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وانظر: «القواعد الفقهية الخمس الكبرى والقواعد المندرجة تحتها من مجموع فتاوى ابن تيمية» (ص ١٢٩، ١٥٨) .
وقرر ابن تيمية -أيضاً- في «مجموع الفتاوى» (٢٠/١٤٨) أن الزهد الشرعي ليس هو ترك الدنيا، وقد يكون ذمُّها عند الكثيرين من باب الحب الزائد لها، قال -رحمه الله تعالى- بعد كلام:
«فأما مجرد مدح ترك الدنيا فليس في كتاب الله ولا سنة رسوله، ولا تنظر إلى كثرة ذم الناس الدنيا ذماً غير ديني، فإن أكثر العامة إنما يذمونها لعدم حصول أغراضهم منها، فإنها لم تَصْفُ لأحد قط! ولو نال منها ما عساه أن ينال، وما امتلأت دار حبرة إلا امتلأت عبرة، فالعقلاء يذمون الجهال الذين يركنون إليها ويظنون بقاء الرياسة والمال وتناول الشهوات فيها، وهم مع هذا يحتاجون إلى ما لا بد لهم منه منها، وأكثرهم طالب لما يذمه منها، وهؤلاء حقيقة ذمهم لها ذم دنيوي لما فيها من الضرر الدنيوي، كما يذم العقلاء التجارة والصناعة التي لا ربح فيها، بل فيها تعب، وكما تذم معاشرة من يضرك ولا ينفعك في التزويج بسيئة الخلق، ونحو ذلك من الأمور التي لا تعود مضرتها ومنفعتها إلا إلى الدنيا -أيضاً-» . وانظره -أيضاً-: (٢٨/٣٩٤) .
قال أبو عبيدة: ولذا من الخطإ (ذم المال) بإطلاق، وسيأتي التدليل على ذلك في غير موطن من كلام المصنّف، وقد غالى الصوفية -قديماً وحديثاً- بذلك، وتعقّبهم مجموعة من الأعلام، ومنهم القرطبي في مواطن من «تفسيره» ، منها (٣/٤١٧-٤٢٠) ، ونقل كلاماً لابن الجوزي، وسأعمل على ذكر كلامه بتمامه لأهميته، وأضع زياداتي عليه بين معقوفتين، والله المستعان، قال:
«لما أمر الله -تعالى- بالكتْب والإشهاد، وأخذ الرهان، كان ذلك نصاً قاطعاً على مراعاة حفظ الأموال وتنميتها، ورداً على الجهلة المتصوفة ورِعاعها الذين لا يرون ذلك، فيخرجون عن جميع أموالهم، ولا يتركون كفاية لأنفسهم وعيالهم، ثم إذا احتاج وافتقر عياله، فهو إما أن يتعرّض لمِنَن الإخوان أو لصدقاتهم، أو أن يأخذ من أرباب الدنيا وظلَمتهم، وهذا فعلٌ مذموم منهيٌّ عنه.
قال أبو الفرج الجوزي [في «تلبيس إبليس» (ص ١٧٦) ] :
«ولست أعجب من المتزهِّدين الذين فعلوا هذا مع قِلَّةِ علمهم، إنما أتعجَّب من أقوام لهم علم وعقل، كيف حثّوا على هذا، وأمروا به مع مضادته للشرع والعقل. فذكر المُحاسبي في هذا كلاماً كثيراً، وشيّده أبو حامد الطوسي [هو: أبو حامد الغزالي] ونصره. والحارث عندي أعذر من أبي حامد؛ لأن أبا حامد كان أفقه، غير أن دخوله في التصوّف أوجب عليه نصرة ما دخل فيه» .
قال المحاسبي في كلامٍ طويل له [في كتابه «النصائح» (ص ٢١) ] :
«ولقد بلغني أنه لما توفِّي عبد الرحمن بن عوف قال ناسٌ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنما نخاف على عبد الرحمن فيما ترك. فقال كعب: سبحان الله! وما تخافون على عبد الرحمن؟ كسب طيباً، وأنفق طيباً، وترك طيباً. =

<<  <   >  >>