ولأن الفقر صفة للحق، يصف الفقراء، والغنى صفة للدنيا تصف الأغنياء، فعلى قدر ميلان القلب إلى الفقر وأهله يكون موصوفاً بالحق والإخلاص، وعلى قدر ميلان القلب إلى الغنى وأهله، يكون موصوفاً بالدنيا والإخلاص -كذا-، وحب الفقر وأهله من أخلاق المرسلين، وإتيان مجالسه من علامات الصالحين، ولا يخضع العبد لله إلا مع الفقر، ولا يصيب الإرادة إلا بمجالسة الفقراء، ولا يرى آثار الحقّ إلا مع الفقراء. وليس من صفة الفقراء موافقة الأغنياء، ولا من صفة أهل المعرفة موالفة أهل الغفلة، فالفقر دواء النبيين، وجلباب المرسلين، وأعلام الصفوة المختارين، وزين المؤمنين، وتاج المتقين، وجمال العابدين، وسرور الزاهدين، ولذة الصابرين، ولباس الراغبين، ورأس مال الصديقين، وغنيمة العارفين، ومعقل الصالحين، وحصن المطيعين، وعون الورعين، وحطّاط للخطيات، ومكفّر للسيئات، ومعظّم للحسنات، ورافع الدرجات، ومبلغ إلى الغايات. ومطفئ الغضب المحبب عن طريق الله الأعظم، ومخوّف الأغنياء من الضر والعدم، حتى ساءت ظنونهم بربهم، وارتابوا بوافي مواعيده بعد تصديقهم، فعبدوا الدنيا خوفاً من زوالها عنهم، وركنوا إليها بكلَّتهم، فعادوا فيها ووالوا، وأحبوا وأبغضوا» . قال أبو عبيدة: انتهى ما أورده أبو الحسين من تفضيل الفقراء على الأغنياء، ولي ملاحظات: الأولى: بالنسبة إلى حديث «اللهم أحيني مسكيناً ... » فهو حسن لغيره، خلافاً لمن ضعّفه، وليس فيه دلالة على فضل الفقر، وهذا البيان، والله الموفق: ورد هذا الحديث عن أربعة من الصحابة -رضوان الله عليهم- وهم: أنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عباس، وعبادة بن الصامت. أما حديث أنس: فقد أخرجه الترمذي في «الجامع» (رقم ٢٣٥٢) -ومن طريقه ابن الجوزي في «الموضوعات» (٣/١٤١-١٤٢) -، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٧/١٢) ، و «الشعب» (رقم ١٤٥٣، ١٠٥٠٧) من طريق الحارث بن النعمان الليثي عنه، به. وعزاه شيخنا الألباني في «الإرواء» (٣/٣٥٩) إلى أبي الحسن الحمامي في «الفوائد المنتقاة» (٩/٢٠٥/٢٥١) ، وأبي نعيم في «الفوائد» (٥/٢١٧/١) . وعزاه العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (٢/٢٠٧) للترمذي عن عائشة!! وليس صحيحاً، وإنما هو من مسند أنس، ولعائشة قصة فيه، وقد ورد عند العراقي في الكتاب نفسه: (٣/٢٣٥ و٤/ ١٩٣) من مسند أنس، على الجادة. =