للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وتعقبه شيخنا الألباني -رحمه الله تعالى- في «السلسلة الصحيحة» (رقم ٥٩٢) بقوله: «قوله: «ولا من وجه يثبت» ، مردود بحديث كعب بن عياض، فإنه لا علة له، وقد صححه من ذكرنا (وهم الترمذي بقوله: «حديث حسن صحيح غريب» ، والحاكم بقوله: «صحيح الإسناد» ) ، وكذا ابن عبد البر في ترجمة كعب هذا من «الاستيعاب» (٣/٣٨١) ، وأقرهم الحافظ في «الفتح» (١١/٢٥٣) ، وقال: «وله شاهد عند سعيد بن منصور عن جبير بن نفير مثله» » .

قال شيخنا الألباني: «وأقول: هذا لا يصلح للشهادة؛ لأنه من طريق المشهود له، الموصول من طريق جبير نفسه، كما تقدم، فتأمل» .
قلت: وأخرجه ابن جرير في «تهذيب الآثار» (رقم ٥٠٩) بسندٍ صحيح عن ابن مسعود قوله: «إنّ لكل أمّة فتنة، وإن فتنة هذه الأمة الدراهم» .
وخص أبو عبد الله القرطبي في كتابه «قمع الحرص بالزهد والقناعة» في (الباب الخامس والثلاثين) لهذا الحديث، وقال في شرحه: «قال علماؤنا -رحمة الله عليهم-: هذا خبر منه - صلى الله عليه وسلم - بأن كل الأمم افتتنت، فأمم منهم افتتنوا عن توحيده بالأصنام فعبدوها، وقوم بالشمس فتألهوها، وقوم بالقمر، وقوم بالكواكب، وقوم نبي كان فيهم وهم اليهود عبدوا عزيراً، وقالوا: ابن الله، ومنهم من افتتنوا بالعجل يعبدونه، والنصارى افتتنوا بعيسى فقال قوم منهم: هو الإله. وآخرون منهم قالوا: هو ابن الله، وجعل فتنة هذه الأمة في حب الدينار والدرهم، فغلب على أكثرهم حب المال، فكدر عليهم عبودية المتكبر المتعال، كما غلب على أكثر الأمم فتنة شرك الأسباب في توحيد رب الأرباب.
قلت: وقد احتج بهذا، وما كان في معناه من لا يرى جمع المال واكتسابه، واتخاذه واقتناءه، لما ينشأ فيه من المفاسد، ويحرم صاحبه من الخيرات والفوائد، ولا حجة لهم في ذلك؛ لأن الناس مختلفون بحال في ذلك، وقد كشف هذا حديثان:
أحدهما: حديث أبي كبشة الأنماري وسيأتي (ص ١١٣) .
والثاني: ما رواه البخاري، وابن ماجه، وغيرهما، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، إن أعطي رضي، وإن منع سخط» . ثم قال - صلى الله عليه وسلم - في تمامه: «طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله: أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كانت الحراسة، كان في الحراسة، وإن كانت الساقة كان في الساقة، يطلب الموت من مظانه، إن أعطى شكر، وإن منع صبر» [أخرجه البخاري (٢٨٨٦) وغيره] .
قال علماؤنا: فميز - صلى الله عليه وسلم - بين عبد المال والهوى، وبين العبد الخالص للمولى، فذلك دعا عليه =

<<  <   >  >>