للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدنيا كالفلاةِ في الأرضِ يسير العطشانُ فيها، فإذا أبصرَ ماءً معيناً توَّقفّ عندَه وارتوى وأروى، هكذا هي المواسمُ الفاضلةٌ في سيرنا في هذه الحياة.

ها هي دورةُ الفلكِ استدارت، وها نحنُ نُبصر ونعيشُ مع رمضانَ من جديد .. فما أجملَ استقبالَه بصفاءِ النفوس، والمحافظة عَلَى الفَرَائِضِ، وإتباعها بِالنَّوَافِلِ، وملازمة المَسَاجِدَ، وإدمان القراءة في المَصَاحِف، وإطعام الطَّعَامَ، وَسقيا العَطْشَان، وَبذل الإِحْسَان والبِرِّ، وَاحْتَسِاب الأَجْر، {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (١).

من معين رمضان: التقوى .. يقول ابن عاشور عن سبب خِتام آية الصيام الأولى بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}: بيانٌ لحكمة الصيام وما لأجله شرع، فهو في قوَّة المفعول لأجله، والتقوى الشرعيَّة هي اتِّقاء المعاصي، وإنما كان الصيام مُوجِبًا لاتِّقاء المعاصي، لأنَّه يعدل القوى الطبيعيَّة التي هي داعية تلك المعاصي، ليَرتَقِي المسلم به عن حضيض الانغماس في المادَّة إلى أوْج العالم الرُّوحاني، فهو وسيلةٌ للارتِياض بالصفات الملكيَّة، والانتِفاض من غبار الكدرات الحيوانيَّة.

وقد قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الصيام جُنَّة» (٢).

أي: وقاية تُتَّقى به الآفات والمخاطر (٣).


(١) [البقرة: ١١٠].
(٢) صحيح مسلم (٢/ ٨٠٦ - ١١٥١).
(٣) تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير (٢/ ١٥٢).

<<  <   >  >>