للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال العلامة ابن القيم:

ثمَّ تَأمل بعد ذَلِك أحوال هَذِه الشَّمْس فِي انخفاضها وارتفاعها لإقامة هَذِه الأزمنة، والفصول وَمَا فِيهَا من الْمصَالح وَالْحكم إِذْ لَو كَانَ الزَّمَان كُله فصلاً وَاحِدًا لفاتت مصَالح الْفُصُول الْبَاقِيَة فِيهِ فَلَو كَانَ صيفاً كُله لفاتت مَنَافِع مصَالح الشتَاء وَلَو كَانَ شتاء لفاتت مصَالح الصَّيف وَكَذَلِكَ لَو كَانَ ربيعاً كُله اوْ خَرِيفًا كُله (١).

ثم بدأ يذكر بعض فوائد البرد ودخول فصل الشتاء فقال: فَفِي الشتَاء تغور الْحَرَارَة فِي الاجواف وبطون الارض وَالْجِبَال فتتولد مواد الثِّمَار وَغَيرهَا، وتبرد الظَّوَاهِر ويستكثف فِيهِ الْهَوَاء، فَيحصل السَّحَاب والمطر والثلج وَالْبرد الَّذِي بِهِ حَيَاة الأرض وَأَهْلهَا، واشتداد أبدان الْحَيَوَان وقوتها، وتزايد القوى الطبيعية، واستخلاف مَا حللته حرارة الصَّيف من الأبدان، وَفِي الرّبيع تتحرك الطبائع، وَتظهر الْموَاد المتولدة فِي الشتَاء، فَيظْهر النَّبَات ويتنور الشّجر بالزهر، ويتحرك الْحَيَوَان للتناسل، وَفِي الصَّيف يحتد الْهَوَاء ويسخن جداً فتنضج الثِّمَار وتنحل فضلات الأبدان، والأخلاط الَّتِي انْعَقَدت فِي الشتَاء، وتغور الْبُرُودَة وتهرب إلى الأجواف، وَلِهَذَا تبرد الْعُيُون والآبار، وَلَا تهضم الْمعدة الطَّعَام الَّتِي كَانَت تهضمه فِي الشتَاء من الأطعمة الغليظة لأنها كَانَت تهضمها بالحرارة الَّتِي سكنت فِي الْبُطُون، فَلَمَّا جَاءَ الصَّيف خرجت الْحَرَارَة إلى ظَاهر الْجَسَد وَغَارَتْ الْبُرُودَة فِيهِ فَإِذا جَاءَ الخريف اعتدل الزَّمَان وَصفا الْهَوَاء وَبرد


(١) مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (١/ ٢٠٨).

<<  <   >  >>