للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمسحَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده ضَرْعها، وسمّى الله ودعا، فتفاجّت عليه، ودرّت، فدعا بإِناء لها يُرْبض الرَّهطَ، فحلب فيه حتى علته الرّغوة، فسقاها فشربت حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب، وحلب فيه ثانيًا، حتى ملأ الإِناء، ثم غادره عندها، فارتحلوا، فقلّما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزًا عجافًا، يتساوكن هُزالًا، فلما رأى اللبن، عجِب، فقال: من أين لك هذا، والشاة عازب؟ ولا حلوبة في البيت؟ فقالت: لا والله، إِلَّا أنّه مرّ بنا رجلٌ مبارك، كان من حديثه كيت وكيت، ومن حاله كذا وكذا، قال: والله إِني لأُراه صاحبَ قريش الذي تطلبه إلى أن قال، لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إِن وجدت إِلى ذلك سبيلًا.

وأصبح صوتٌ بمكة عاليًا، يسمعونه ولا يرون القائل:

جزى الله رب العرش خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد

هما نزلا بالبر وارتحلا به ... وأفلح من أمسى رفيق محمَّد

إلى أن قال:

سلوا أختكم عن شاتها وإِنائها ... فإِنكم إن تسألوا الشاء تشهد

قالت أسماء بنت أبي بكر: ما درينا أين توجّه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة، فأنشد هذه الأبيات، والناس يتبعونه، ويسمعون صوته ولا يرونه؛ حتى خرج من أعلاها، قالت: فلما سمعنا قوله؛ عرفنا حيث توجه رسول الله، وأن وجهه إِلى المدينة (١).


(١) مختصر من صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر -صلى الله عليه وسلم- (ص ١٥٥).

<<  <   >  >>