حقيقية ليقوِّم إنسانيَّتَه، ولا هيكلَ مجتمعٍ قويًّا متماسكًا لا يملك حضارة حقيقية، فكلُّ ما نراه الآن هو طفرة علميَّة، مصحوبة بِخَلل اجتماعي، أخلاقي، إنساني، فهؤلاء الذين يدعون إلى التَّبعية يتجاهَلون أن ينقلوا الصُّورة الكاملة لما يريدون منَّا أن نَتَّبِع، ويتغاضون عن أدَقِّ التفاصيل في العَرْض والطَّرْح، كما يلتزمون بالكذب والتدليس على عَقْل السامع والقارئ، وبالتَّشويه والتزوير؛ إن العلم وَحْدَه لا يصنع حضارة؛ فالعلم بلا إطارٍ أخلاقي، أدَبِي، إنسانِيٍّ، وبلا كيان اجتماعي، وبلا مقدَّسات عقائدية، وبلا مقوِّمات للرُّوح
والنَّفس، هو عِلْم مهمَّش، لا يُمكن التحكُّم فيه، أو السيطرة عليه لرفاهية الإنسان، وإنَّما يستغلُّ ويستخدم لقتله وتعذيبه، فهذا العلم كان مِن الضَّعف الأخلاقيِّ والأدبيِّ والإنساني بِحَيث لم يكن له صوت يُذْكَر؛ ليمنع تَجْرِبة القنبلة الذرية على مدنٍ بأكملها ك "هيروشيما" و"ناجزاكي"، ولَم يَمنع من إنتاج الآلاف المؤلَّفة من الأسلحة النووية، الجرثوميَّة، والكيمائية، والبيولوجيَّة التي لا تَهْدف إلاَّ إلى الإبادة الشاملة، غير مُمَيِّزة أو مخيِّرة بين الطِّفل والمرأة، والشيخ والرضيع والعسكر، فلا تستثني منه صغيرًا فتتركه، أو شيخًا كبيرًا فترحمه (١).
إذاً فيا أخي المؤمن المسلم كلما دُعيت إلى تبعيّه، ازدد تمسكاً بدينك وقرآنك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم- ودعوةً إليها، فهذا أنجع طريق للمحافظة على هويتك المؤمنة الحقيقة، وتأمل كيف نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التقليد في تعليق سيف على شجرة! ! فكيف بمن أشغل المسلمين بالتقليد للغرب في كل شيء أخلاقي وسلوكي! !
(١) من مقال الاستعمار الثقافي، والغزو الفكري، والتبعية الحضارية د. حمزة عماد الدين موسى بتصرف.