بَعْدَ انْتِشَارِ هَذِهِ الوَسَائِلِ، حَتَّى صَارَ الانْقِسَامُ بَيْنَ النَّاسِ، وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ ظَاهِرًا فِي مُجْتَمَعَاتِ المُسْلِمِينَ.
وَأَخْطَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الزَّنَادِقَةَ وَالمُلْحِدِينَ اسْتَغَلُّوا وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ لِكَسْرِ المُقَدَّسَاتِ فِي نُفُوسِ المُسْلِمِينَ، وَتَهْوِينِهَا فِي قُلُوبِهِمْ بِالتَّسَمِّي بِأَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، أَوْ الاتَّصْاِفِ بِأَوْصَافِهِ سُبْحَانَهُ، أَوِ السُّخْرِيَةِ بِهِ -عز وجل-، أَوِ الطَّعْنِ فِي رُسُلِهِ وَكُتُبِهِ وَشَرَائِعِهِ، وَمَعَ إِلْفِ النَّاسِ لِذَلِكَ تَهُونُ المُقَدَّسَاتُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَتَضْعُفُ غِيرَتُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، وَيَتَلَاشَى غَضَبُهُمْ للهِ تَعَالَى، وهَذَا هُوَ مَقْصِدُ المَلاحِدَةِ: أَنْ يَعْتَادَ المُسْلِمُونَ عَلَى الطَّعْنِ فِي رَبِّهِمْ وَنَبِيِّهِمْ وَكِتَابِهِمْ وَدِينِهِمْ، وَتُنْتَزَعُ الحَمِيَّةُ لِذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لا يُمْكِنُ رَدْعُ هَؤُلاءِ المَلاحِدَةِ لِاسْتِتَارِهِمْ خَلْفَ أَسْمَاءَ مُسْتَعَارَةً، وَبَثِّ فِكْرِهِمُ الإِلْحَادِيِّ بوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ، وَرُبَّمَا أَشَاعَ بَعْضُ النَّاصِحِينَ فِكْرَهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَدْرِي، وَذَلِكَ بِنَشْرِ كَلامِهِمْ عَلَى وَجْهِ الإِنْكَارِ لَهُ، وَهُمْ يَفْرَحُونَ بِنَشْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إِنْ أَنْكَرُوهُ الْيَوْمَ بِشِدَّةِ خَفَّ إِنْكَارُهُمْ لَهُ مَعَ كَثْرَةِ تَدَاوُلِهِ حَتَّى يَأْلَفُوهُ؛ وَالوَاجِبُ حِمَايَةُ القُلُوبِ مِنَ المُيُوعَةِ وَاللُّيُونَةِ فِي هَذِهِ الجَوَانِبِ؛ وَذَلِكَ بِتَجَنُّبِ الاطِّلاعِ عَلَى كَلامِ الزَّنَادِقَةِ وَالمُلْحِدِينَ، وَحَظْرِ حِسَابَاتِهِمْ، وَحَذْفِ قَوَائِمِهِمْ، وَتَنْبِيهِ مَنْ يَصِلُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَى حَذْفِهِ مُبَاشَرَةً وَعَدَمِ الالْتِفَاتِ إِلَيْهِ، وَلا إِرْسَالِهِ لِغَيْرِهِ حَتَّى يَمُوتُوا بِغَيْظِهِمْ، وَيُحَصَّنَ المُؤْمِنُونَ عَنْ
إِلْحَادِهِمْ وَتَجْدِيفِهِمْ.
وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لا يَبْلُغُهُ! وَكَمْ مِنْ نَاصِحٍ يَنْشُرُ الإِثْمَ بِجَهْلِهِ! فَإِنَّ أَهْلَ البِدَعِ يَنْشُرُونَ بِدَعَهُمْ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ فِي صُوَرِ مَنْ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ، فَيُشِيعُوَن أَحَادِيَثَ مَوْضُوعَةً، وَقَصَصًا مَكْذُوبَةً، وَأَعْمَالًا غَيْرَ مَشْرُوعَةٍ، فَيَتَلَقَّفُهَا جَهَلَةُ النَّاسِ، وَيَتَبَرَّعُونَ بِنَشْرِهَا مُحْتَسِبِينَ أَجْرَهَا، وَالوَاجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ شَيْءٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute