للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابتلي وأوذي في سبيل إظهار الحق وبيانه، ونصيحة المسلمين، فصبر، فقد وُشي به لدى السلطان، واتهم بالباطل زورًا وبهتانًا، وسُجن بسبب ذلك مرارًا، ليُثنى عن منهجه، ويُحال بينه وبين الناس، ولكنه قابل ذلك كله بالصبر على قَدَر الله، والرضا بقضائه، والحِلْم على من آذاه، والعفو عنهم، ولا أدلّ على ذلك من رسالته التي بعثها من مصر إلى أهله وأنصاره في دمشق، يدعوهم فيها إلى تأليف القلوب وجمع الكلمة، وإصلاح ذات البين، ويحذرهم فيها من أذية من آذاه أو إهانتهم، يقول فيها: "تعلمون رضي الله عنكم، أني لا أحب أن يُؤذى أحدٌ من عموم المسلمين فضلاً عن أصحابنا بشيء أصلاً، بل لهم عندي من الكرامة والإجلال والمحبة والتعظيم، أضعاف أضعاف ما كان، كل بحسبه، ولا يخلو الرجل إما أن يكون مجتهدًا مصيبًا أو مخطئًا أو مذنبًا، فالأول مشكور، والثاني مع أجره على الاجتهاد فمعفو عنه، مغفور له، والثالث فالله يغفر لنا وله ولسائر المسلمين، فنطوي بساط الكلام لهذا الأصل، كقول القائل: فلان قصر، فلان ما عمل، فلان أوذي الشيخ بسببه، فلان كان سبب هذه القضية، فلان يتكلم في كيد فلان، ونحو هذه الكلامات التي فيها مذمة لبعض الأصحاب والإخوان، فإني لا أسامح من آذاهم من هذا الباب، ولا حول ولا قوة إلا بالله ...

اتصف بسلامة النفس، والبراءة من التشفي والانتقام حتى ممن كاده، ذُكر أن الناصر بن قلاوون لما رجع إلى الحكم في مصر بعد خلعه، جلس معه، "وأخرج من جيبه فتاوى لبعض المشايخ من خصومه في قتله، واستفتاه في قتل بعضهم، قال: ففهمت مقصوده، وأن عنده حنقًا شديدًا عليهم لما خلعوه، وبايعوا الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير، فشرعتُ في مدحهم والثناء عليهم وشكرهم، وأن هؤلاء لو ذهبوا لم تجد مثلهم في دولتك، أما أنا فهم في حِلٍّ من حقي ومن جهتي، وسَكَّنْتُ

<<  <   >  >>