للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَيُّهَا الأخوة: العلماء هم ورثة الأنبياء، والعلماء إنما يقتدون بهم وبمنهجهم -عليهم السلام- .. فيوسف -عليه السلام- قال لأخوته وقد أوذي وصبر حتى أظفره الله تعالى: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (١).

{قَالَ} لهم يوسف -عليه السلام-، كرماً وجوداً: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} فسمح لهم سماحاً تاماً، من غير تعيير لهم على ذكر الذنب السابق، ودعا لهم بالمغفرة والرحمة، وهذا نهاية الإحسان، الذي لا يتأتى إلا من خواص الخلق وخيار المصطفين (٢).

ومحمد -صلى الله عليه وسلم- وقف يوم فتح مكة، حينما دخلها منتصرًا، وجلس في المسجد والناس حوله والعيون شاخصة إليه ينتظرون ماذا سيفعل -صلى الله عليه وسلم- بمن آذاه وحاربه وأخرجه من بلده، فيظهر تمثله بخلقه وشفقته وعدم انتصاره لنفسه؛ فيقول لهم -صلى الله عليه وسلم-: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ» (٣).


(١) [يوسف: ٩٢].
(٢) تفسير السعدي (٤٠٥).
(٣) سيرة ابن هشام (٢/ ٤١٢)، قال ابن حجر في فتح الباري: وروى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب مرسلا نحوه، وعند ابن إسحاق بإسناد حسن عن صفية بنت شيبة قالت: لما نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت فطاف به، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتح له فدخلها، ثم وقف على باب الكعبة فخطب قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أنه -صلى الله عليه وسلم- قام على باب الكعبة، فذكر الحديث، وفيه: ثم قال يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل فيكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. ثم جلس فقام علي فقال: اجمع لنا الحجابة والسقاية، فذكره. وروى ابن عائذ من مرسل عبد الرحمن بن سابط أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان فقال: خذها خالدة مخلدة، إني لم أدفعها إليكم ولكن الله دفعها إليكم، ولا ينزعها منكم إلا ظالم ... فتح الباري (٧/ ٦١٢).

<<  <   >  >>