للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَيُّهَا الأخوة: تلك هي قُطُوفٌ وشذرات من سيرةِ هذا العالمِ العابدِ الجليلِ، والتي تجعلُ المرءُ يَخْجلُ من نفسهِ حينَ يُقارِنُ سيرتَه بتقصيرِه، ويَعْجَبُ من تخليدِ الله تعالى لها فها نحن نتذاكرُها بعد ألفٍ ومائتي عامٍ تقريباً، ومِنْ ألْمَعِ العِبَرِ فيها: تلك السنّةُ الكونيةُ والحكمةُ الربانيّة في تقلب أحوال الناسِ والزمانِ مِنْ رفْعٍ وخَفْضٍ وعزٍ وذلْ {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (١)، لكن العاقبةَ في النهاية للمتقين.

وكذلكَ من المواعظِ الناطقةِ من سيرته الصبرُ على الطلب، ومع أنهم -رحمهم الله- يقطعون الفيافيَ والمسافاتِ الطويلةَ مشياً على الأقدامِ مع قلةِ المؤونةِ وشظف العيشِ إلاّ أنهم يتلذذونَ في التحصيلِ والتحلّقِ على العلماء والمزاحمةِ بالرُّكَبِ، وهنا درسٌ عظيمٌ جداً أنّ العبادةَ والانقطاعَ لله تعالى سبيلٌ من سبلِ النجاة وقتَ الفتن، قال -صلى الله عليه وسلم-: «العبادةُ في الهرْجِ كهجرة إليّ» رواه مسلم (٢).

وكذلكَ من العبرِ والفوائدِ أنّ علمَهم وتعلمَهم لم يُنْسهم قضاءَ حوائجِ الناسِ بل والسفرِ معهم على الأقدامِ لقضائها، وكذلك من الدروس صفاءُ قلوبِهم ونقاءُ نفوسهم، والطاعة بالمعروف لولاة المسلمين .. وغيرُ ذلك كثير.

فاللهم اغفر لهم وارحمهم واجمعنا بهم في جناتك، واجعلنا ممن سار على نهجهم مقتفينَ سيرةَ أفضل الخلقِ -صلى الله عليه وسلم-.

* * *


(١) [آل عمران: ١٤٠].
(٢) صحيح مسلم (ج ٤ ص ٢٢٦٨ - ٢٩٤٨).

<<  <   >  >>