وخامسًا في صحيح مسلم، ودرسًا في اللمع لابن جنّي في النحو، ودرسًا في إصلاح المنطق في اللغة، ودرسًا في الصرف، ودرسًا في أصول الفقه، ودرسًا في أسماء الرجال، ودرسًا في أصول الدين، وكان يكتبُ جميعَ ما يتعلق بهذه الدروس من شرح مشكل وإيضاح عبارة وضبط لغة.
وسمع منه خلق كثير من الفقهاء، وسار علمه في الآفاق، وانتفع الناس في سائر البلاد الإسلامية بتصانيفه، وأكبوا على تحصيل مؤلفاته.
تولى النووي دار الحديث الأشرفية على صغر سنّه حوالي عشر سنين، وهي أشهر دار في بلاد الشام لعلم الحديث، والمتعارف عليه ألا يلي مشيختها إلا عظيم وقته في العلم، وخصوصًا علم الحديث، ومن لقب بشيخ دار الحديث، نال في العلم أجل الألقاب، وقد وليها قبل النووي: تقي الدين بن الصلاح، وشهاب الدين أبو شامة المقدسي.
وقال التاج السبكي:"قال والدي: إنه ما دخلها - أي دار الحديث الأشرفية - أعلم ولا أحفظ من المزي، ولا أورع من النووي وابن الصلاح".
ومن عجيب سيرته أنه قال مرة "وخطر لي الاشتغال بعلم الطب، فاشتريت القانون (لابن سينا) وعزمت على الاشتغال فيه، فأظلم عليَّ قلبي، وبقيت أيَّامًا لا أقدر على الاشتغال بشيء، ففكرت في أمري: من أين دخل عليَّ الداخل، فألهمني الله أن اشتغالي بالطب سببه، فبعت في الحال الكتاب المذكور، وأخرجت من بيتي كل ما يتعلق بعلم الطب فاستنار قلبي ورجع إلى حالي، وعدت لما كنت عليه أولاً"؛ ولعلَّ الظلمة التي أصابت قلبه مرجعها إلى أنه لم يألف الطب، أو لعلَّه استغلقت