للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه مسائله، ويجوز أن يكون النووي قد تأثر - في رغبته دراسة الطب - بمقولة إمامه الشافعي: "لا أعلم علمًا - بعد الحلال والحرام - أنبلَ من الطب".

ومن أعاجيبه أنّه قال مرة وهو يحكي عن أوائل طلبه للعلم: وبقيت سنتين لم أضع جنبي على الأرض، يعني: كان ينام وهو جالس، ثم لا يلبث أن يستيقظ للاستمرار في طلب العلم.

وحكى البدر بن جماعة أنه سأله عن نومه فقال الإمام النووي: "إذا غلبني النوم استندت إلى الكتب لحظة وأنتبه".

وقال البدر: وكنت إذا أتيته أزوره يضع بعض الكتب على بعض ليوسع لي مكاناً أجلس فيه.

فما كان الزائر يجد مكاناً يجلس فيه من كثرة الكتب التي يطالعها.

بعد هذه المسيرة الحافلة يترجل الفارس، ففي سنة ستمائة وست وسبعين للهجرة رجع الإمام النووي إلى نَوى، وردَّ الكتب المستعارة من الأوقاف، وزار مقبرة شيوخه، فدعا لهم وبكى، وزار أصحابه الأحياء وودّعهم، وزار والدَه وزار بيت المقدس والخليل، ثم عاد إلى نوى؛ فمرض بها، ومات في الرابع والعشرين من رجب؛ ف رحمةً واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (١).


(١) [الأحزاب: ٢٣].

<<  <   >  >>