للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَمْدُونَ الْقَصَّارُ: رَأَيْتُ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ جَاءَ إِلَى الْبُخَارِيِّ فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: دَعْنِي حَتَّى أُقَبِّلَ رِجْلَيْكَ يَا أُسْتَاذَ الْأُسْتَاذِينَ، وَسَيِّدَ الْمُحَدِّثِينَ، وَطَبِيبَ الْحَدِيثِ فِي عِلَلِهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ حَدِيثِ كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ، فَذَكَرَ لَهُ عِلَّتَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ مُسْلِمٌ: لَا يُبْغِضُكَ إِلَّا حَاسِدٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَمْ أَرَ بِالْعِرَاقِ وَلَا بِخُرَاسَانَ فِي مَعْنَى الْعِلَلِ وَالتَّارِيخِ وَمَعْرِفَةِ الْأَسَانِيدِ أَعْلَمَ مِنَ الْبُخَارِيِّ، وَكُنَّا يَوْمًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنِيرٍ، فَقَالَ لِلْبُخَارِيِّ: جَعَلَكَ اللَّهُ زَيْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: فَاسْتُجِيبَ لَهُ فِيهِ.

وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: مَا رَأَيْتُ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَحْفَظَ لَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ.

قال ابن كثير: وَلَوْ ذَهَبْنَا نُسَطِّرُ مَا أَثْنَى عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فِي حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَعِلْمِهِ وَفِقْهِهِ وَوَرَعِهِ وَزُهْدِهِ وَتَبَحُّرِهِ لَطَالَ عَلَيْنَا.

وَقَدْ كَانَ الْبُخَارِيُّ، فِي غَايَةِ الْحَيَاءِ وَالشَّجَاعَةِ وَالسَّخَاءِ وَالْوَرَعِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا دَارِ الْفَنَاءِ، وَالرَّغْبَةِ فِي الْآخِرَةِ دَارِ الْبَقَاءِ، قَالَ: أَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُطَالِبُنِي أَنِّي اغْتَبْتُهُ.

وَقَدْ كَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ خَتْمَةً، وَكَانَتْ لَهُ جِدَةٌ وَمَالٌ جَيِّدٌ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا، وَكَانَ يُكْثِرُ الصَّدَقَةَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، وَكَانَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، مُسَدَّدَ الرَّمْيَةِ، شَرِيفَ النَّفْسِ، بَعَثَ إِلَيْهِ بَعْضُ السَّلَاطِينِ لِيَأْتِيَهُ حَتَّى يَسْمَعَ أَوْلَادُهُ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحَكَمُ، إِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ ذَلِكَ فَهَلُمُّوا إِلَيَّ، وَأَبَى أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْهِمْ فَبَقِيَ فِي نَفْسِ الْأَمِيرِ مِنْ ذَلِكَ، فَاتَّفَقَ أَنْ جَاءَهُ كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ مِنْ

<<  <   >  >>