للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حفظ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء، فهو منقول إلينا كله" (١).

قال ابن القَيِّم: "فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الدِّينِ كُلِّهِ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَكُلُّ وَحْيٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ ذِكْرٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قال الله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (٢) فَالْكِتَابُ: الْقُرْآنُ، وَالْحِكْمَةُ: السُّنَّةُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» (٣)، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أُوتِيَ السُّنَّةَ كَمَا أُوتِيَ الْكِتَابَ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ ضَمِنَ حِفْظَ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ؛ لِيُقِيمَ بِهِ حُجَّتَهُ عَلَى الْعِبَادِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ" (٤).

ولذا فقد بدأ تدوين الأحاديث وكتابتها بمرحلة مبكرة منذ عصر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبعد ما منع النبي -صلى الله عليه وسلم- كتابة الأحاديث خشية أن تلتبس مع القران الكريم، أمر بتدوينها لمّا أُمن ذلك اللبس فعن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ، وَالرِّضَا، فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ،


(١) الإحكام في أصول الأحكام (١/ ٩٥).
(٢) [النساء: ١١٣].
(٣) صحيح؛ صححه الألباني في "صحيح الجامع" (٣٦٤١)، أخرجه أبو داود (١٦٠٤).
(٤) مختصر الصواعق المرسلة ٢/ ٣٧١.

<<  <   >  >>