للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ، فَقَالَ: «اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ» (١).

وفي حجَّة الوداع عندما خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبته الجامعة قال أبو شاه - رجل من اليمن - اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ» (٢)، وهكذا كان العلماء يكتبون الأحاديث ويحفظونها في صدورهم وكتبهم إلى أن انتشرت بحمد الله، وقد سخر الله تعالى مناهج في الكتابة والحفظ حتى لا تختلط الأمور.

قال الحافظ ابن رجب: "فأقامَ اللهُ تعالى لحفظِ السُّنَّةِ أقواماً ميَّزوا ما دخلَ فيها من الكذبِ والوهم والغلطِ، وضبطُوا ذلكَ غايةَ الضبطِ، وحفظوه أشدَّ الحفظِ" (٣).

فالعلماء لا يكتبون ولا ينقلون الأحاديث هكذا جزافاً أو اعتباطاً، ولا يحكمون بصحتها وضعفها بمجرد أهوائهم كما يظن أولئك المفتونون، إنّ لحكم صحة الحديث عندهم شروطاً وضوابط لا توجد عند أي مذهب أو ملة أو نحلة، ولا يتقنها إلا خبير بارع بها أمضى عمره في دراستها، ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أموراً -كما يقول الشافعي، منها: أن يكون من حَدَّثَ به ثقةً في دينه،


(١) صحيح؛ صححه الألباني في "الصحيحة" (١٥٣٢)، أخرجه أحمد (١١/ ٤٠٦ - ٦٨٠٢)، وأبو داود (٣/ ٣١٨ - ٣٦٤٦).
(٢) صحيح البخاري (٣/ ١٢٥ - ٢٤٣٤)، ومسلم (٢/ ٩٨٨ - ١٣٥٥).
(٣) تفسير ابن رجب الحنبلي (١/ ٦٠٥).

<<  <   >  >>