وهذه مؤثِّرةٌ تأثيرًا كبيرًا؛ ولذا حذَّر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِن جليس السوء، ومجالسةِ أهل الباطل؛ لأنَّ العَدْوَى سريعةُ الانتقال، فالعاقل مَن يَفِرُّ عن المنحرفِ فرارَه مِن الأسَد ... وبعضُ الشباب يتساهل في ذلك؛ معتذرًا لنفسه أنه سيُصلح الانحرافاتِ الموجودة ... نَعَمْ عليك الدعوة، والمجادلة بالتي هي أَحسَن بشرط العِلم، ثم إذا لم يُلْقِ لك هذا المنحرفُ بالًا فلا تُهلك نفسَك بالإكثار مِن مجالسته - خاصة في المسائل الشرعية؛ فمَن لم يقتنع بكبار العلماء لن يقتنع بك أنتَ، وابنُ عباس -رضي الله عنهما- حاوَرَ وناظَرَ الخوارج، ورجَع منهم مَن رجَع، وبعد ذلك صفَّ جنديًّا مع عليٍّ -رضي الله عنه- ... لم يستمرَّ في الجدال والمناقشة.
إنَّ أثَر الجليس خطيرٌ، سواء كان إنسانًا أو كتابًا أو قناةً أو جهازًا ذكيًّا، يُشَكل فِكْرك حسب ما يريد هو؛ فإذا كان منحرفًا فماذا ستصبح أنت! !
وانظر إلى هذا التشبيه البليغ منه -صلى الله عليه وسلم- حين قال -عليه الصلاة والسلام-: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ، إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً»(١).
إنَّ عمليَّة اختيارك لجليسك، أو كتابك، أو قناتك، أو مَن تُتابعهم، وتَدخُل مواقعهم ... هي عملية تكوينٍ لِفِكْرك وشخصيَّتك أنتَ، شئتَ أم أبَيْتَ! !
قال علي -رضي الله عنه-: «الصحبة سارية، والطبيعة سارقة».