للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن تمام البحث في هذا المقام جواز الاشتراط عند الإحرام، أي: جواز أن يشترط مريد النُسك في إحرامه أنه إن مرض أو حبسه حابس فإنه يتحلل بسبب ذلك، ويستدل عليه بالحديث المشهور في صحيح البخاري ومسلم وكذا في سنن أبي داود والترمذي والنّسائي وسائر كتب الحديث المعتمدة من طرق متعددة بأسانيد كثيرة عن جماعة من الصحابة (١)، من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على ضُباعة رضي الله عنها يسألها: أما تريدين الحج العام؟ قالت: قلت: إني لعليلةٌ يا رسول الله، فقال لها عليه الصلاة والسلام: "حجّي واشترطي أنّ مَحِلِّي حيث تحبسني" قال الإمام مسلم: "وفي رواية إسحاق: أمرَ ضُباعة" (٢).

أقول: وفي رواية أُخرى لابن ماجة: "أهِلِّي واشترطي أنّ مَحِلِّي حيث حبستني" (٣).

إن القول بجواز الاشتراط هو مذهب سيدنا عمر بن الخطاب وابن مسعود وآخرين من الصحب الكرام رضوان الله عليهم جميعاً، ومذهب جماعة من التابعين، وهو قولُ الإمام أحمد، والصحيح من مذهب الشافعي رضي الله عنهما، وحجتهما هذا الحديث. وقال الإمام أبو حنيفة ومالك وبعض التابعين: لا يصح الاشتراط. قال الإمام النووي: "وحملوا الحديث على أنها قضيةُ عين، وأنه مخصوص بضُباعة" (٤).

* * *


(١) أقول هذا رداً على من ضعف الرواية لئلاّ يغتر بقوله.
(٢) صحيح مسلم برقم (١٢٠٨/ ١٠٥)، وضُباعة هي ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، ومَحِلِّيْ هو المكان الذي أنحر وأتحلل فيه لقوله تعالى: {شَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦]، وهي بنت عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما ذكر ذلك الإمام النووي على شرحه في هذا الحديث.
(٣) أخرجه ابن ماجة في سننه برقم ٢٩٣٧ و ٢٩٣٨.
(٤) النووي على شرح مسلم ٨/ ٢٩٩.

<<  <   >  >>