وأمّا تحريم الصيد البري في كل أرض يطؤها الحاج قبل الوصول إلى مكة، وبعده حيث يحرم في حدود الحرم الصيد والتنفير والترويع كذلك، كما يحرم فيه قطع الحشائش والأشجار التي نبتت وحدها دون زرع أو استنبات.
كما يحرم مع اللحظة الأولى للإحرام استخدام الآلات الحادة كتلك التي تستخدم في حلق الرأس، وقصّ الشعر، وتقليم الأظافر.
كل هذه التعليمات هي ترويض للحاج المسلم لينسجم في رحلة الحج مع عنوانها الرئيسي:"عنوان السَّلام" الذي رفعه الإسلام في حياة المسلمين واقعاً مستقراً لا سبيل للعدول عنه إلّا تحت وطأة ظروف تُفرض على الأمة، تضطرها للخروج عن جادة الموادعة والمسالمة إلى ساحة الجهاد والنزال لتذود عن ذاتها.
ثقافة السَّلام جسّدها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الأثر المروي عنه:"لو رأيت في الحج قاتل أبي لما امتدّتْ إليه يدي بسوء".
فالحج إلى بيت الله الحرام رحلة ذاتُ وجهين وضيئين:
الأول: مكتوب عليه السلام، والآخر: منقوش على صفحته الأمان.
ومن الخطوات الإلهية لتحقيق هذين المقصدين معاً محظورات الإحرام التي سبق ذكرها، ثم اجتماع حرمة الزمان إلى حرمة المكان (١)، تقوية للشعور بحرمة هذا الركن وجلاله، وتأييداً للشعور بالمراقبة والمسؤولية، لجعل المسلم مرهف الحس، حاضر الفكر،
(١) حرمة الزمان في جعل الحج أشهراً معلومات بعينها، وفي جعلها من الأشهر الحرم التي عظمها الله يوم خلق السموات والأرض، ففي الحديث الذي يرويه الشيخان عن أبي بكر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الزمان قد استدار كهيئته يومَ خلَق السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو الحجة وذو القعدة والمحرّم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" البخاري برقم (٣١٩٧)، ومسلم (١٦٧٩) وأبو داود (١٩٤٧).