إلّا وأتت به، ومهدَّتْ له، وسعت إليه، من خلال ربطه بأحكام تشريعية ترسِّخُه في الذاكرة اليومية للفرد، والشعبية للمجتمع، والثقافية للأمة، لبناء صرح حضاري لا ينهار أمام عوامل الطغيان.
الحج محطة تأمُّليَّة يعود فيها الإنسان المسلم إلى حالة الشكر الحقيقي التي أُقصي عنها الكثيرون بسبب ما أغدق الله عليهم من نعم أنستهم فضل المنعم عليهم.
لكنَّ فريضة الحج ما تلبث أن توقظ في حجّاج بيت الله الحرام مراكز الحس لما يواكب الحج من شظفٍ للعيش كانوا في مأمن منه قبل شدّ الرحال إلى مكة، فالإحرام ومحظوراته، وضوابط الحج الزمانية والمكانية والتشريعية، وأعدادّ هائلة من البشر المستطيعة إلى بيت الله سبيلاً تتحرك كالبحر في اقتدائها بنبيِّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
هذه اللوحة المتكاملة يتخرّج من صفوفها جيلّ رحيم بالعباد بعد أن ذاق الحجاج من شظف العيش ألواناً لم يكن لهم بها دراية.
والحج حديقة تجد فيها كلَّ صنوف الثمار الطيّبة، تقطف الأمة من ورودها، وتتغذّى على فاكهتها، وتستظل بأشجارها، وتنعم بنصيب وافر من معاني الأمن والسلام اللذين تعمّقهما فريضة الركن الخامس، لذلك عرّفه فضيلة الدكتّور يوسف القرضاوي بقوله:"الحج هو رحلة سلام، في أرض السلام، في زمن السلام".
فالعنوان الرئيسي في قصد البيت الحرام هو السلام، لذلك يتخلّى الحاج عن ثياب الصنعة إلى ثيابٍ لا زُرَّ فيها ولا أكمام، مستحضراً معها صورةً لا بد آتية في يوم يلفُّ فيها المسلم بالأكفان، يعجز فيه عن فعلٍ يصدر منه لأحدٍ من خلق الله، ويصبح حينئذٍ فقيراً أكثر إلى إسدال نعمة السلام عليه بالعفو والصفح من الله السلام.
أمّا شعار التلبية فهو امتداد لتربية الإسلام؛ لأنه استسلام لتكاليف صاحب الخلق والأمر.