للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فجعل المقام بينه وبين البيت، فالملتصق بالبيت هو بالبداهة بين الناس وبين البيت ولا يقال هذا إلّا في حال إمكانية الصلاة إلى البيت والمقام خلف المصلي لكن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - توجه إلى كل من البيت والمقام على امتداد واحد وبهذا صار المقام بينه - صلى الله عليه وسلم - وبين البيت.

ومن الأدلة على هذا ما أتى على ذكره الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله بقوله: "روى الأزرقي في أخبار مكة بأسانيد صحيحة أن المقام كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر في الوضع الذي هو فيه الآن حتى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله حتى وجد بأسفل مكة فأُتِيَ به فربط إلى أستار الكعبة حتى قدم عمر فاستثبت في أمره حتى تحققَ موضعَهُ الأول فأعاده إليه وبنى حوله فاستقرّ ثَمَّ إلى الآن" (١).

كما ذهب الإمام المحقق ابن حجر الهيتمي إلى أنّ موضع المقام الآن هو موضعه في الجاهلية وفي عهده - صلى الله عليه وسلم - وفي عهد أبي بكر وعمر ثم جاء سَيْل أم نهشل فجرفه ثم أعاده عمر إلى مكانه في محضر من الناس وذكر أن الأزرقي في تاريخ مكة نقل هذا عن جمع من السلف (٢).

وأرى أنه من الأدلة ما صرح به الحسن البصري وغيره من تفسير المصلى بالمعنى الشرعي وهو القبلة وترك المعنى اللغوي (الحقيقي) وهو المكان؛ لأن مقام إبراهيم يصلى عنده وإليه لا فيه ولذلك جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين البيت ولو كان يصلى فيه كمزدلفة وعرفة لقام فيه متوجهاً إلى الكعبة.

على أي حال فإن اتخاذ مقام إبراهيم مصلى (قبلة) هو على سبيل الندب لا الوجوب بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في الكعبة دون أن يستقبل المقام ولو كان استقباله


(١) فتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني في بداية كتاب الصلاة في شرحه قوله تعالى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ١/ ٦٤٦.
(٢) اُنظر حاشية العلامة ابن حجر الهيتمي على شرح نور الإيضاح (٢٨١) تحت عنوان: فائدة.

<<  <   >  >>