للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أجواء يتجسد فيها نداء كل مسلم إلى ربه بالدعاء المشهور:

"اللَّهم أنت ربي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدِكَ ووعدِكَ ما استطعت، أعوذ بك من شرِّ ما صنعت، أبوء (أقُرُّ) لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي، إنَّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت".

عند كعبة الله في مكة المكرّمة لا تحتاج - كما في كل مكان - إلى توسيط أحد بينك وبين الله عزَّ وجلَّ، فالذي عصيت أوامره، وأوْقَعتَ نفسك في قوس غضبه، هو من دعاكَ إليه، وفتح لك أبواب السور العظيم، لتدخل مدينة النور الحقيقي، وتقرَّ عنده دون وساطة سمسارٍ أو شفيع بما سبق به قضاؤه عليك، وتسأله بلغة الصدق والتواضع والدموع أن يتجاوز عما زلّ به القلم واللسان، وزلَّت به الجوارح والأقدام، لتبدأ مع مالك الأمر كله صفحة من عهدٍ جديد مع الله.

هذه العبارات التي سقتها هي وميض من ضياء كاشف، تعجز الكلمات عن رصده وتسطيره؛ لأن الذي يجوب ببصره في بيت الله الحرام يرى عصاة الأمس، وفساق الماضي استحالوا في حضرة ملك الملوك إلى عُبَّاد نادمين، يندفعون بين جموع الطائفين لا همَّ لأحدهم إلّا أن يملأ قلبه من حسراتٍ على ما فات، فتتسابق كلماتُ الإدانة والتوبة والمناجاة على شفتي لسانه، ودموع الندم على عيني رأسه، بعد أن بكى القلب مراراً من سنوات الشرود والضياع، وبعد أن بكى من فرحته وهو يرى ذاته في حضرة قيُّوْم الأرض والسموات. وكم رأيت من أصحاب الفن والمراكز، والشهرة وعامة الناس من يلصق بطنه بالبيت عند الملتزم أو في حجر إسماعيل ويضع خدّه عليه، ويتعلّق بأستاره، ويبسط عليه كفَّيه، ويقول ـ كلٌ بلغته ولهجته وطريقته ـ: "اللهم يا ربَّ البيت العتيق أعتِقْ رقبتي من النار، وأعذني من شر براثن الشيطان، اللهم إنَّ البيت بيتك، والحرمَ حرمك، والعبدَ

<<  <   >  >>