عبدُك، والأمنَ أمنُكَ، والعذاب عذابُك، وهذا مقامُ العائذ بكَ من النار، جئتكَ من بلادٍ بعيدة، بذنوب كثيرة، أسألك مسألة المضطرين إليكَ، المشفقين من عذابك، أن تدخلني برحمتك بمحض عفوك، وأن تجعلني من أكرمِ وفْدكَ عليك".
وكم من قاصدٍ بيتَ الله وحاله مع ربه تترجمه هذه الأبيات:
يااا رب: ... حاسبت نفسي لم أجِدْ لي صالحاً ... إلَاّ رجائي رحمةَ الرَّحمان
ووزنْتُ أعمالي عليَّ فلم أجدْ ... في الأمرِ إلّا خِفَّة الميزان
وظلمْتُ نفسي في أموري كلّها ... ويحي إذن من وقفة الديَّان
يا أيُّها الإخوانُ إنّي راحلٌ ... مهما يطلْ عمري فإنيَ فَاني
مظاهر العبودية وحقائقها ترتسم هناك في ملامح وأعماق الشخصية المسلمة للحاج، لما في تلك البقاع من طاقات روحانية وإنسانية هائلة تفجر الإيمان في جنبات قلوب كانت إلى وقت قريبٍ غارقةً في ظلمات الغفلة عن الله، فإذا ببذورها تتجدّد شباباً، وإذا بها ترتقي بأصحابها في مدارج السالكين في زمن قياسي، لا يتجاوز في بعض النماذج اللحظات؛ حيث يشكل انقلاباً حقيقياً في واقع هؤلاء الناس: قلوبٌ حاضرة، ودموع شاهدة، ونحيب قويّ، ودعاء شجي، وعبارات صادقة، وتجليَّات متدفقة في مشهد ينتابك شعور للوهلة الأولى أنّ هذا الذي يمرغ الخد على أعتاب الملتزم هو أحدُ الواصلين إلى الله منذ زمن بعيد.
نعم، إنه الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، الذي يتقدَّم مقاصده كلها تطهيرُ العباد من الذنوب والآثام التي لحقت بهم في سنيِّ عمرهم المنصرمة، بالاغتسال في بحر الله العظيم هذا الذي تُمِدُّ شواطئُه عصاةَ الإسلام بالطمأنينة والسَّلام، في خضم بيتٍ فسيحٍ آمنٍ يتقبل فيه المولى الكريم توبة العائدين، ولا يخيِّبُ أنَّات الحيارى النادمين (شرط أن يعزم المنيب إلى الله أن لا يعود إلى مقارفة المعصية من جديد عزماً أكيداً نظير أن لا يعود اللبن إلى