الضرع، وأن يردّ الحقوق إلى أصحابها إنْ كان ثمة حقوق)، وبهذا يُهيّئ مناخ الحج لولادة جديدة لحجَّاج بيت الله الحرام، يفتحون بها مع خالقهم صفحة بيضاء ناصعة مصداقاً لقول نبيِّ الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم -: "مَن حجَّ فلمْ يرفُثْ ولم يفسقْ رجع كيوم ولدته أُمُّه"(١).
هذا المعنى النبوي هو عين ما يتردّد على ألسنة الناس اليوم صداه لما يعتقدونه في قرارة نفوسهم من أنّ الحج هو خاتمة اللهوِ والإسراف، وفاتحة العهد الجديد مع الله، لذلك وجدنا من عامة المسلمين من يربط بين المعصية والإقلاع عن مقارفتها بوشاج الحج وأداء مناسكه؛ لأنه يعتقد أنّ تتويج الحياة الحقيقي إنما يكون بفريضة الحج، لهذا لا غرابة أن يعرِّفه حُجة الإسلام الغزالي بعبادة العمر، وختام الأمر.
بهذا الذي وضعتُ خطوطه الرئيسية يعود الحجَّاج ـ مَن تُقبِّلَ منهم ـ بولادة جديدة، متواضعين لله، متعاونين على البر والتقوى، آمرين بالمعروف، معلنين انضمامهم إلى قافلة أُمتهم مرة أخرى بعد أن هجروها حيناً من الدهر، وبعد أن أنستهم الملذات الشخصية، والمصالح الآنية، وأيام الترف، والسَّرَف واجبهم نحو الأمة الأُم التي تنتظر من صحوتهم الراشدة الكثير.
إنَّ الحج بالنسبة لمن أخلص العمل لربه، وانسجم بصدق مع شعائره ومناسكه، هو نقلة نوعية رائدة من حضيض حياة المعصية والأنانية إلى سمو حياة الطاعة والإيثار.
هذا الشيء الجوهري في مسيرة الحج إلى بيت الله الحرام هو ما انتبهتْ له الحملة التبشيرية الضخمة التي اجتاحت الديار المصرية مطلع القرن العشرين بإمكانيات هائلة، جُنّدَتْ لها الجنود، وبُذلتْ فيها الجهود، وضوعف فيها إنفاق النقود، لكن ما لبثت أن أخفقت إخفاقاً شبه تام مُكلَّلة بالخيبة والخسران، بعد أن وجد قادتها في حصون الإسلام
(١) رواه البخاري في صحيحه باب: قول الله تعالى: {فَلَا رَفَثَ} [البقرة: ١٩٧] حديث برقم = (١٧٢٣)، ومسلم في صحيحه برقم (١٥٣٠) كما رواه بلفظ آخر: "من أتى هذا البيت ... " في السنن الكبرى للبيهقي برقم (١٠٥٢٠) وما بعده.