الواقع للأركان والشاذروان والحجر وحِجر إسماعيل وما شابه ذلك من مقاصد.
هذا في طواف القدوم، أما في طواف الإفاضة والوداع وطواف العمرة (١)
كذلك فإن الحاج يكون قد تدرب على مداخل ومخارج الحرم أو معظمها وزال من قلبه أسباب قطع الكلمات على لسانه ولا سيما أن طواف الإفاضة والعمرة بعد النفرة من عرفات يقع في ذروة اجتماع أعداد المسلمين في الحرم إذ تغيب في هذا الزحام كلمات الأئمة والدعاة، وتضيع معه حشرجة الحناجر خصوصاً عندما تلاحقها جمل دعاء من أفواج أخرى ربما تكون أندى صوتاً من هذا الداعي، وربما انتهت بقافية ثابتة زادت الحالة الدعائية حول البيت إرباكاً واضطراباً مما يوقع الطائفين بحالة من التشويش تصل إلى حد التداخل بين الأدعية وبين الجماعات المتلاصقة المتلاحقة كالبحر الهادر حول ينابيع الخير في أرض العطاء حينئذ نجد أكثر من مغزى لكلام فضيلة الدكتور القرضاوي والله تعالى أعلم.
* * *
(١) هذا ما أمارسه مع حجاج فوج اليمان الذي شرفت بالقيام على خدمتهم إذ أركز في طواف القدوم في الحج والسعي بعده على متابعتهم لحظة بلحظة من قاعة الإستقبال في الفندق إلى باب الحرم فالطواف فركعتيه فالسعي فالعودة إلى موقع الإقامة في النزل من جديد. أما في المراحل التالية فإنني أحثهم قائلا: ها أنت وربك ادع الله بما يتجلى به على قلبك وما يجريه على لسانك واستحضر هيبة البيت والموقف وتذكر فضله عليك بدعوته إليك في بيته وعرينه الذي لا يؤذن بالدخول فيه إلّا للموحدين، واستجمع من وراء ذلك كله سنيّ الغفلة وأنت شارد عن مولاك تعصيه ولا يستأصلك بعقاب وأنت عارف باطلاعه على ما تفعل وهو قادر على إنزال الضُرّ بك ثم يمد لك مداً ثم يدعوك إلى بيته وأنت من أنت في المعصية التي تعدّدت ألواناً واستغلظت مع الأيام زماناً: أقول هذا؛ لأنه أبعد عن الرياء، أقول هذا وأنا أدفعهم لمناجاة الله في بيته وأن يسلم كل واحد منهم نفسه إلى ربه وإلى أمواج الطائفين لا يلتفت إذا ما قذفت به ذات الشمال وذات اليمين؛ لأنه في حضور إيماني مع خالقه غارقاً في بحار العبودية مع ملاحظة أنني لا أنهى عن الدعاء الجماعي في أيِّ طواف إطلاقاً ..