إلى الحرم المكي الشريف انصهر في عالم من العبودية والمعرفة الإلهية فارتسمت على جوارحه لغات الدموع والتواضع وجاد من ألوان السؤال بما يجريه الله على لسانه وقلبه. بيد أن الذي يحياه المسلمون اليوم في واقع الحال هو حالة من التصدع في جدار العلاقة بين العبد ومولاه بعد تحكم الحياة المادية في أفئدة شرائح واسعة من أبناء المسلمين وهو ما يوكَلُ أمرُ إصلاحه إلى الركن الخامس حيث يدخل الحاج إلى بيت الله الحرام وهو لا يدري ماذا يقول ولا ماذا يتصرف وربما ألجمته هيبة البيت ورقعة اتساعه وجلاله مشهد الطائفين حوله في وقت تتوارد أمام ناظريه ذكرى المعاصي وسنوات الشرود عن الله فتقطع الدموع مداد الكلمات فلا يصدر عنه سوى طلب العون ممن يعتقد فيه التقوى والصلاح والخبرة فيستند لبيانه الطليق وقلبه النظيف ومعرفته بالعبادة والمسجد الحرام وطرق العبور والوصول.
إنه التراجع عن التدرج في محاريب العبودية بين يدي المولى المتعالِ الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى والذي يغذونا بنعمه وألطافه التي تتابعنا متابعة الأم الرؤوف بولدها الصغير الشارد عن حَنْوها وعطفها وهو يتقلب فيه وبهذا لم يعد المسلمون معتادين على مناجاة صاحب الإيجاد والإمداد في خطاب العبد المتذلل بين يدي خالقه المفتقر إلى رحمته المعترف بذنبه وتقصيره.
هذا ما يسعى إليه فضيلة الدكتور القرضاوي فيما أعتقد وهو مطلب رائع لكنني أرى بباعث خبرتي في مجال خدمة ضيوف الرحمن أنه بالإمكان تحقيق هذا الهدف السامي من خلال الدعاء الجماعي في اللقاء الأول لكعبة الله المشرفة لتعريف الحجاج على موقع السكن والباب الذي عليهم أن يرتادوه والطريق الذي ينبغي من حقهم أن يسلكوه إلى كعبة الله الغالية مع تحديد بداية الطواف ونهايته وببيانٍ وافٍ على أرض